آداب صلاة العيد (3/2)

تاريخ النشر الأصلي 2014-07-28 14:05:10.

صورة لمجموعة من المسلمين يؤدون صلاة العيد في الساحة.

يستحب للمأموم التبكير إلى مصلى العيد بعد صلاة الصبح، أما الإمام فيستحب له أن يتأخر إلى وقت الصلاة.

عرضنا في الجزء الأول بعضاً من آداب صلاة العيد، وإليكم الجزء الثاني:

6 – السنة أن تُصلَّى صلاة العيدين في المصلى، ولا يُصلى في المسجد إلا لحاجة؛ لحديث أبي سعيد الخدري (رضي الله عنه) قال: “كان النبي (صلى الله عليه وسلم) يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى فأول شيء يبدأ به الصلاة.” (رواه البخاري ومسلم)

والمصلى بالمدينة قال عنه الحافظ ابن حجر رحمه الله: “هو موضع بالمدينة معروف بينه وبين باب المسجد ألف ذراع، قاله عمر بن شبة في أخبار المدينة، عن أبي غسان الكناني صاحب مالك.” (فتح الباري، 2/ 449)

وقال الإمام النووي رحمه الله عن حديث أبي سعيد (رضي الله عنه): “هذا دليل لمن قال باستحباب الخروج لصلاة العيد إلى المصلى وأنه أفضل من فعلها في المسجد، وعلى هذا عمل الناس في معظم الأمصار، وأما أهل مكة فلا يصلونها إلا في المسجد من الزمن الأول.” (شرح النووي على صحيح مسلم، 6/ 427)

قال العلامة ابن الحاج المالكي: “والسنة الماضية في صلاة العيدين أن تكون في المصلى؛ لأن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: “صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام.” (رواه البخاري ومسلم)، ثم هو مع هذه الفضيلة العظيمة خرج (صلى الله عليه وسلم) وتركه.

وقال الإمام ابن قدامة رحمه الله تعالى: “السنة أن يُصلَّى العيد في المصلى، أمر بذلك علي (رضي الله عنه)، واستحسنه الأوزاعي، وأصحاب الرأي، وهو قول ابن المنذر.” (المغني، 3/ 260)، وقال رحمه الله بعد أن ذكر بعض الأقوال المخالفة: “ولنا أن النبي (صلى الله عليه وسلم) كان يخرج إلى المصلى ويدع مسجده، وكذلك الخلفاء بعده ولا يترك النبي (صلى الله عليه وسلم) الأفضل مع قربه، ويتكلف الناقص مع بعده، ولا يشرع لأمته ترك الفضائل؛ ولأننا قد أُمرنا باتباع النبي (صلى الله عليه وسلم)، والاقتداء به، ولا يجوز أن يكون المأمور به هو الناقص والمنهي عنه هو الكامل، ولم ينقل عن النبي (صلى الله عليه وسلم) أنه صلّى العيد بمسجده إلا من عذر؛ ولأن هذا إجماع المسلمين.”

وإن حصل عذر يمنع الخروج إلى المصلى: من مطر، أو خوف، أو ضعف، أو مرض، أو غير ذلك صلى في المسجد ولا حرج عليه إن شاء الله تعالى (المغني لابن قدامة، 3/ 261)

وسمعت شيخنا الإمام ابن باز رحمه الله يقول: “فإذا أصاب الأرض دحض صلوا في المسجد، أما مكة فيصلى العيد في المسجد مطلقاً، ومن صلى في المسجد صلى تحية المسجد.”

7 – السنة أن يذهب إلى المصلى من طريق ويرجع من طريق آخر؛ لحديث جابر – رضي الله عنه – قال: “كان النبي (صلى الله عليه وسلم) إذا كان يوم عيد خالف الطريق.” (رواه البخاري)

وأعظم الحكم التي يعتمدها المسلم: متابعة النبي (صلى الله عليه وسلم)، وهذه الحكمة أعلى حكمة يقنع بها المؤمن: أن يقال: هذا أمر الله ورسوله، ودليل ذلك قول الله تعالى: “لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ الله أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو الله وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ الله كَثِيرًا.”  (الأحزاب / الآية رقم 21)، وقول الله تعالى: “وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى الله وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ الله وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا مُّبِينًا.” (الأحزاب / الآية رقم 36)، وقول عائشة (رضي الله عنها) وقد سُئلت: لماذا تقضي الحائض الصوم ولا تقضي الصلاة؟ قالت: “كان يصيبنا ذلك فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة.” (رواه البخاري ومسلم)، ولم تذكر سوى ذلك من الحكم؛ لأن المؤمن لسانه وحاله: سمعنا وأطعنا.

ولا مانع من وجود الحكم الأخرى؛ فإن الله تعالى لا يشرع شيئاً إلا لحكمة: علمناها أو لم نعلمها. ومما قيل في حكمة مخالفة الطريق يوم العيد، ما يأتي:

1 – قيل: يفعل ذلك؛ ليشهد له الطريقان.

2 – وقيل: ليشهد له سكانهما من الجن والإنس.

3 – وقيل: لإظهار شعار الإسلام في الطريقين.

4 – وقيل: لإظهار ذكر الله تعالى.

5 – وقيل: ليغيظ أعداء الإسلام.

6 – وقيل: ليدخل السرور على أهل الطريقين، أو لينتفع به أهل الطريقين في الاستفتاء أو التعلم والاقتداء والاسترشاد، أو الصدقة والسلام عليهم.

7 – وقيل: لزيارة الأقرباء وصلة الأرحام.

8 – وقيل: ليتفاءل بتغيير الحال إلى المغفرة والرضا.

9 – وقيل: لتخفيف الزحام.

10 – وقيل: لأن الملائكة تقف في الطرقات، فأراد أن يشهد له فريقان منهم، قال الإمام ابن القيم رحمه الله بعد أن ذكر كثيراً من هذه الحكم: “وقيل وهو الأصح: إنه لذلك كله ولغيره من الحكم التي لا يخلو فعله (صلى الله عليه وسلم) عنها. (زاد المعاد في هدي خير العباد،1/ 449، وانظر: المغني لابن قدامة، 3/ 283)

8 – يستحب للمأموم التبكير إلى مصلى العيد بعد صلاة الصبح، أما الإمام فيستحب له أن يتأخر إلى وقت الصلاة؛ لأن النبي (صلى الله عليه وسلم) كان يفعل ذلك، فعن أبي سعيد الخدري (رضي الله عنه) قال: “كان النبي (صلى الله عليه وسلم) يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى، فأول شيء يبدأ به الصلاة …” (رواه البخاري ومسلم)

ولأن الإمام يُنتظر ولا يَنتظر، ولو جاء إلى المصلى وقعد في مكان مستتر عن الناس فلا بأس. قال الإمام مالك: مضت السنّة أن يخرج الإمام من منزله قدر ما يبلغ مصلاّه، وقد حلّت الصلاة، فأما غيره فيستحب له التبكير، والدنوُّ من الإمام، ليحصل له: أجر التبكير، وانتظار الصلاة، والدنوِّ من الإمام من غير تخطي رقاب الناس، ولا أذى لأحد، قال عطاء بن السائب: كان عبدالرحمن بن أبي ليلى، وعبد الله بن معقل، يصليان الفجر يوم العيد وعليهما ثيابهما ثم يندفعان إلى الجبَّانة أحدهما يُكبّر والآخر يُهلّل. (المغني لابن قدامة، 3/ 261، وشرح السنة للبغوي، 4/ 302 – 303)

قال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: “والدليل على سنية الخروج بعد صلاة الصبح ما يلي:

أ – عمل الصحابة (رضي الله عنهم)؛ لأن النبي (صلى الله عليه وسلم) كان يخرج إلى المصلى إذا طلعت الشمس ويجد الناس قد حضروا، وهذا يستلزم أن يكونوا قد تقدموا.

ب – ولأن ذلك أسبق إلى الخير.

ج – ولأنه إذا وصل المسجد وانتظر الصلاة؛ فإنه لا يزال في صلاة.

د – ولأنه إذا تقدم يحصل له الدنوّ من الإمام، كل هذه العلل مقصودة في الشرع.”

___________________________

المصدر: كتاب صلاة العيدين للشيخ سعيد بن وهف القحطاني.

مواضيع ذات صلة