هناك العديد من المسائل المتعلقة بأحكام الصلاة في الشتاء مثل وجود مشقة في حضور صلاة الجماعة في المسجد أو الجمع بين الصلوات كما سنوضح في هذا الموضوع:
المسألة الأولى في أحكام الصلاة في الشتاء
تتعلق هذه المسالة بالجمع بين الصلاتين بعذر المطر، أو البرد الشديد، أو الريح الشديدة، ونحوها. والجمع بين الصلاتين يجوز لهذه الأعذار، وغيرها أيضاً، فالنبي صلى الله عليه وسلم جمع عند الحاجة في السفر، وفي بعض أيام مناسك الحج، فجمع في يوم عرفة، ليتفرغ للدعاء، وجمع أيضاً في مزدلفة، ليرتاح من عناء النهار، فإذا وُجدت الحاجة والعذر، جاز للمسلم الجمع بين الصلاتين.
وقد أخرج الشيخان: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: “صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر جميعاً، والمغرب والعشاء جميعاً، في غير خوف ولا سفر”. قال أيوب: أظنه في مطر.
لكن هذا الظن جاء في الرواية الصحيحة أنه في غير محله، لأنه لم يكن في مطر، ولما سئل ابن عباس عن ذلك، قال: “أراد ألا يحرج أمته”، وفي رواية: “كي لا يحرج أمته”.
وكذا جاء عن معاذ ابن جبل رضي الله عنه عند الإمام مسلم، فقول ابن عباس: جمع من غير خوف ولا مطر ليس نفياً منه للجمع لتلك الأسباب، بل إثبات منه، لأنه صلى الله عليه وسلم أراد بذلك أن يشرع للأمة جواز الجمع للحاجة، في المطر، والبرد، والخوف، والسفر، والمرض، وما أشبه ذلك من الأعراض.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وبهذا استدل أحمد به على الجمع لهذه الأمور بطريق الأولى، فإن هذا الكلام يدل على أن الجمع لهذه الأمور أولى، وهذا من باب التنبيه بالفعل، فإنه إذا جمع لرفع الحرج الحاصل بدون الخوف والمطر والسفر، فالحرج الحاصل بهذه أولى أن يُرفع، والجمع لها أولى من الجمع لغيرها.
المسألة الثانية في أحكام الصلاة في الشتاء
من المسائل الهامة في الجمع: هل يؤذن للصلاة بعد الجمع؟ يعني إذا جمع الإمام في مسجده، هل يؤذن للصلاة الثانية فيه في وقتها، وتقام فيه الجماعة أم لا؟
الجواب: نقول: نعم لا بأس من الأذان في الوقت وبإقامة الجماعة، وهذا لا يتعارض مع الجمع، لأن من الناس من لم يدرك الجمع في المسجد، ومنهم من لم يشهد الجماعة في الجماعة في المسجد أصلا، لأنه كان في العمل مثلاً، أو كان في المدرسة أو الجامعة، وما أشبه هذا.
فالمسجد المجموع فيه، يؤذن فيه في أوقات الصلاة المعتادة، وتقام فيه الصلاة على الوجه المعتاد، إبقاء على الأصل، ولا يوجد نص يمنع مما ذكرنا، أو يخالف ما قررنا.
المسألة الثالثة في أحكام الصلاة في الشتاء
مسألة أخرى في الجمع: وهي: هل الصلاة الراتبة التي تيكون بين الصلاتين، هل تصلى بعد الجمع؟ أم أنها تسقط بالجمع؟
الجواب: لا يوجد نص صريح عن النبي صلى الله عليه وسلم في أنه صلى الصلاة الراتبة التي تكون بين الصلاتين المجموعتين، فيمكن الاستدلال بذلك على أنها تسقط، ويمكن أيضا للمخالف أن يقول: إن الأصل هو بقاء تلك الصلاة الراتبة، وأنا أصليها إبقاء على الأصل، فالمسألة محتملة للأمرين.
المسألة الرابعة في أحكام الصلاة في الشتاء
مسألة أيضا متعلقة بالجمع بين الصلاتين: من جاء متأخراً فلم يدرك الصلاة الأولى، كمن جاء إلى المسجد وهم يصلون الظهر والعصر جمعاً، فأدرك العصر وفاتته الظهر، فماذا يفعل؟
الجواب: عليه أن يدخل إلى الصلاة بنية صلاة الظهر، ولا حرج عليه في اختلاف نيته عن نية الإمام, لأن السنة النبوية دلت على جواز ذلك، وأنه يجوز أن تختلف نية الإمام عن نية المأموم، كما في حديث معاذ رضي الله عنه أنه كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم العشاء، ثم يرجع إلى قومه فيصلي بهم العشاء، يصلي هو لنفسه بنية النافلة، وهم يصلون الفريضة، فإذا كان هذا في اختلاف النية، بين الفريضة والنافلة، فغيرها أيضا يجوز من باب أولى.
المسألة الخامسة في أحكام الصلاة في الشتاء
إذا أدرك المسبوق جزءاً من الصلاة المجموعة مع الإمام، جاز له إكمال الجمع، بدليل عموم قوله عليه الصلاة والسلام: “ما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا”. (رواه البخاري ومسلم)
فإن لم يدرك شيئا من الصلاة المجموعة، لم يجز له الجمع.
________________________________
المصدر: كتاب أحكام الشتاء للشيخ محمد حمود النجدي