المشروع فعله إباحة:
أ – الأكل والشرب:
من الأشياء المباحة الأكل والشرب في المسجد وبخاصة للمعتكف، يقول النووي رحمه الله: “ولا بأس بالأكل والشرب في المسجد ووضع المائدة فيه.” (المجموع 2 / 174.)
وما يشهد لذلك ما كان يفعله بعض الصحابة رضي الله عنهم من أكلهم في المسجد، روى الطبراني في الكبير عن عبد الله بن الزبير (رضي الله عنه) قال: “أكلنا مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يومًا شواء، ونحن في المسجد فأقيمت الصلاة فلم نزد أن مسحنا بالحصباء”.
لكن مما ينبغي أن يتنبه له عدة أمور:
(أ) أن يتجنب الأكل ذو الرائحة الكريهة التي يصطبغ بها المسجد فيكرهه الداخلون إليه، والمتعبدون فيه.
(ب) أن يتجنب كثرة الأكل فيه.
(ج) ألا يكون ظاهرة متفشية تطغى على مهمة المسجد.
(د) أن لولي الأمر إذا رأى منع ذلك لسبب أو لآخر فله ذلك ويجب على الناس تنفيذ هذا الأمر، فقد يطلع على مصلحة لا يراه الفرد الواحد، ويستند لذلك نهيه (صلى الله عليه وسلم) عن أكل الثوم والبصل والكراث ثم دخول المسجد.
ب – النوم والاستلقاء والمبيت:
مما يباح فعله في المسجد النوم سواء كان مبيتًا أي: نومًا طويلًا أو استلقاء، وقد روى البخاري ومسلم (رحمهما الله) عن عبد الله بن عمر (رضي الله عنهما): “أنه كان ينام وهو شاب أعزب لا أهل له في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وسلم)”.
وعند الترمذي: “كنا ننام على عهد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في المسجد ونحن شباب”.
وبَوَّب البخاري لهذا الحديث بقول: باب نوم الرجال في المسجد، ولكن هذا الجواز لا يعني أن المسجد مقر دائم للنوم، وهذا الذي جعل بعض أهل العلم يرى كراهية ذلك قال ابن عباس رضي الله عنهما: لا تتخذوه مرقدًا.
ج – الوضوء في المسجد:
استنبط بعض أهل العلم جواز الوضوء في المسجد مما رواه أحمد وغيره عن رجل من أصحاب النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: “حفظت لك أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) توضأ في المسجد”.
ونقل ابن قدامة رحمه الله في المغني وضوء بعض الصحابة رضي الله عنهم في المسجد، وخاصة الخليفة أبي بكر وعمر (رضي الله عنهما)، وهذا الجواز ما ذهب إليه الشافعية والحنابلة رحمهم الله تعالى أما المالكية والأحناف فقد كرهوا ذلك إلا أن يكون في موضع لا يصلى فيه (المغني 3 / 206، والمجموع 2 / 174). ومع هذه الإباحة إلا أنه بعد تغير وضع المساجد فلا يفهم منها أنه يتوضأ على فرشها ونحوه، وبخاصة أنه خصص أماكن للوضوء في أكثر المساجد في جميع البلدان الإسلامية، والحمد لله.
فلا تتخذ هذه الإباحة وسيلة إلى توسيخ المسجد وتلويثه.
د- دخول المشرك وربط الأسير:
ومما ينبغي ذكره ما أباحه أهل العلم من جواز دخول الكافر والمشرك في المسجد استنادًا إلى ما أخرجه الشيخان وغيرهما عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: “بعث رسول الله (صلى الله عليه وسلم) خيلًا قبل نجد فجاءت برجل من بني حنيفة يقال له ثمامة بن أثال، فربط بسارية من سواري المسجد” (رواه البخاري).
ومع هذا فليست هذه الإباحة على إطلاقها.
فقيدها الشافعية والحنابلة بإذن مسلم أو بعلة مقبولة.
وقيدها الأحناف بما لم يحدث منهم ما يسيئ إلى المسجد. وقيدها المالكية بالضرورة. (المغني 8 / 532)
أما المسجد الحرام فمنعه عامة أهل العلم سوى ما نقل عن أبي حنيفة رحمه الله من جواز دخول المعاهدين فقط، لقوله سبحانه: “إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ…” (التوبة / الآية 28)
هـ- إدخال السلاح إلى المسجد واللعب فيه:
لا شك أن المساجد بيوت الله تعالى وهى منزهة عن العبث واللهو، حتى ولو كان اللاعبون أطفالا لم يصلوا إلى سن التكليف، فليست المساجد ميدانًا لهذا اللهو.
هذا هو الأصل فيها، فهي مكان عبادة وعلم وتربية وذكر. والأصل في اللهو العبث واللعب. لكن إذا قصد به – أي: اللعب- غاية سامية، وكان بقدر محدود، ولم يكن ديدنا فقد أجازه أهل العلم.
بناء على ما رواه البخاري وغيره عن عائشة (رضي الله عنها) قالت: “والله لقد رأيت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقوم على باب حجرتي والحبشة يلعبون بحرابهم في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يسترني بردائه لكي أنظر إلى لعبهم.”
قال النووي رحمه الله: “في الحديث جواز اللعب بالسلاح ونحوه من آلات الحرب في المسجد، ويلتحق ما في معناه من الأسباب المعينة على الجهاد وأنواع البر” (شرح النووي على مسلم 6 / 184).
و الكلام المباح وإنشاد الشعر:
لا شك أن الكلام ومنه الشعر فيه المحمود شرعًا وفيه المباح، وفيه المكروه وفيه المحرم. فإن كان الكلام مكروهًا أو محرمًا ففي المسجد أشد كراهة وتحريمًا، وإن كان محمودًا فهذا من وظائف المسجد كما سبق بيانه، وإن كان مباحا أو شعرا مباحا فهذا ما اختلف فيه أهل العلم. فكرهه بعضهم بناء على أن المساجد محترمة، وأنها لم تعد إلا للعبادة والذكر وقراءة القرآن، كما مر في حديث بول الأعرابي: “إن هذه المساجد لا يصلح فيها شيء من كلام الناس إنما هو التسبيح والتكبير، وقراءة القرآن.” (رواه مسلم). وهذا ما مال إليه الحنفية والحنابلة.
أما ما ذهب إليه الشافعية والمالكية والظاهرية فعدم الكراهة إلا إذا كان الكلام مكروهًا، بناء على وقائع جرت نشد فيها الشعر في المسجد، ومن أولئك حسان بن ثابت (رضي الله عنه) وغيره كما رواه البخاري وغيره.
نعم إن من مقتضى الورع عدم الكلام في أمور الدنيا في المسجد واتخاذ ذلك ديدنا مستمرًا، كما يفعله -للأسف- كثير من الناس، ويظهر ذلك جليًا في بعض المعتكفين في المسجد الحرام والمسجد النبوي في السنين المتأخرة الذين يقضون أوقاتهم بين كثرة النوم، وبين تبادل الأحاديث، الذي غالبها-كما يظن- في أمور الدنيا، ونبرؤهم أن يكون في غيبة أو نميمة وزور ونحوها.
وقد كان السلف الصالح رحمهم الله تعالى يتورعون عن ذلك تورعًا شديدًا، ومن طالع أحوالهم وسيرهم وجد ذلك بينًا واضحًا.
__________________________________
المصدر: كتاب المشروع والممنوع في المسجد لفالح الصغير.