القسم الاول من المياه:
الماء المطلق:
وحكمه أنه طهور: أي أنه طاهر في نفسه مطهر لغيره ويندرج تحته من الانواع ما يأتي:
1 – ماء المطر والثلج والبرد:
لقول الله تعالى: “وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به” (سورة الأنفال- الآية 8). وقوله تعالى: “وأنزلنا من السماء ماء طهورا” (سورة الفرقان- الآية 25) . ولحديث أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: “كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إذا كبر في الصلاة سكت هنيهة قبل القراءة، فقلت: يا رسول الله -بأبي أنت وأمي- أرأيت سكوتك بين التكبير والقراءة ما تقول؟ قال: (أقول اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الابيض من الدنس، اللهم اغسلني من خطاياي بالثلج والماء والبرد). (رواه البخاري ومسلم).
وهي إما حقيقية كالطهارة بالماء أو حكمية كالطهارة بالتراب في التيمم.
2 – ماء البحر:
لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: سأل رجل رسول الله )صلى الله عليه وسلم( فقال يا رسول الله، إنا نركب البحر، ونحمل معنا القليل من الماء فإن توضأنا به عطشنا، أفنتوضأ بماء البحر؟ فقال رسول الله )صلى الله عليه وسلم(: (هو الطهور ماؤه، الحل ميتته) .
3 – ماء زمزم:
لما روي من حديث علي (رضي الله عنه)، أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (دعا بسجل من ماء زمزم فشرب منه وتوضأ) (رواه أحمد).
4 – الماء المتغير بطول المكث، أو بسبب مقره، أو بمخالطة ما لا ينفك عنه غالبًا، كالطحلب وورق الشجر، فإن اسم الماء المطلق يتناوله باتفاق العلماء.
والأصل في هذا الباب أن كل ما يصدق عليه اسم الماء مطلقا عن التقييد يصح التطهر به، قال الله تعالى: “فإن لم تجدوا ماءً فتيمموا” (المائدة- الآية 5).
القسم الثاني: الماء المستعمل
وهو المنفصل من أعضاء المتوضئ والمغتسل، وحكمه أنه طهور كالماء المطلق، سواء بسواء، اعتبارًا بالأصل، حيث كان طهورًا، ولم يوجد دليل يخرجه عن طهوريته، والحديث لربيع بنت معوذ في وصف وضوء رسول الله )صلى الله عليه وسلم( قالت: “ومسح رأسه بما بقي من وضوء في يديه” )رواه أحمد وأبو داود(، ولفظ أبي داود (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح رأسه من فضل ماء كان بيده).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي )صلى الله عليه وسلم( لقيه في بعض طرق المدينة وهو جنب، فانخنس منه فذهب فاغتسل ثم جاء فقال: “أين كنت يا أبا هريرة؟ “فقال: كنت جنبًا، فكرهت أن أجالسك وأنا على غير طهارة، فقال: “سبحان الله إن المؤمن لا ينجس” (متفق عليه).
ووجه دلالة الحديث، أن المؤمن إذا كان لا ينجس، فلا وجه لجعل الماء فاقدًا للطهورية بمجرد مماسته له، إذ غايته التقاء طاهر بطاهر وهو لا يؤثر.
قال ابن المنذر: روي عن علي وابن عمر وأبي أمامة وعطاء والحسن ومكحول والنخعي: أنهم قالوا فيمن نسي مسح رأسه فوجد بللًا في لحيته: يكفيه مسحه بذلك، قال: وهذا يدل على أنهم يرون المستعمل مطهرًا، وبه أقول: وهذا المذهب إحدى الروايات عن مالك والشافعي، ونسبه ابن حزم إلى سفيان الثوري وأبي ثور وجميع أهل الظاهر.
القسم الثالث: الماء الذي خالطه طاهر
كالصابون والزعفران والدقيق وغيرها من الأشياء التي تنفك عنها غالبًا.
وحكمه أنه طهور مادام حافظا لإطلاقه، فإن خرج عن إطلاقه بحيث صار لا يتناوله اسم الماء المطلق كان طاهرًا في نفسه، غير مطهر لغيره، فعن أم عطة قالت: دخل علينا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) حين توفيت ابنته (زينب) فقال: “إغسلنها ثلاثًا أو خمسًا أو أكثر من ذلك -إن رأيتن- بماء وسدر واجعلن في الأخيرة كافورًا أو شيئا من كافور، فإذا فرغتن فآذنني فلما فرغن آذناه، فأعطانا حقوه فقال: (أشعرنها إياه) تعني: إزاره” (رواه الجماعة).
والميت لا يغسل إلا بما يصح به التطهير للحي، وعند أحمد والنسائي وابن خزيمة من حديث أم هانئ: أن النبي (صلى الله عليه وسلم) اغتسل هو وميمونة من إناء واحد: قصعة فيها أثر العجين، ففي الحديثين وجد الإختلاط، إلا أنه لم يبلغ بحيث يسلب عنه إطلاق اسم الماء عليه.
القسم الرابع: الماء الذي لاقته النجاسة
وله حالتان: (الأولى) أن تغير النجاسة طعمه أو لونه أو ريحه وهو في هذه الحالة لا يجوز التطهر به إجماعًا، نقل ذلك ابن المنذر وابن الملقن.
(الثانية) أن يبقي الماء على إطلاقه، بأن لا يتغير أحد أوصافه الثلاثة.
وحكمه أنه طاهر مطهر.
قلَّ أو كثر، ودليل ذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: “قام أعرابي فبال في المسجد، فقام إليه الناس ليقعوا به, فقال النبي (صلى الله عليه وسلم): “دعوه وأريقوا على بوله سجلا من ماء، أو ذنوبا من ماء، فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين” (رواه البخاري).
وحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قيل يا رسول الله أنتوضأ من بئر بضاعة؟ فقال صلى الله عليه وسلم: “الماء طهور لا ينجسه شئ” (رواه أحمد وأبو داوود والنسائي).
وإلى هذا ذهب ابن عباس وأبو هريرة والحسن البصري، وابن المسيب وعكرمة وابن أبي ليلى والثوري وداود الظاهري والنخعي ومالك وغيرهم، وقال الغزالي: وددت لو أن مذهب الشافعي في المياه كان كمذهب مالك.
وأما حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث” رواه الخمسة، فهو مضطرب سندا، ومتنا.
قال ابن عبد البر في التمهيد: ما ذهب إليه الشافعي من حديث القلتين، مذهب ضعيف من جهة النظر، غير ثابت من جهة الأثر.
____________________________
المصدر: كتاب فقه السنة للشيخ سيد سابق.