الكاتب: صالح بن علي أبو عرَّاد
يا عمّار بيوت الله في الأرض، إن لهذه البيوت منزلة رفيعة، ومكانةً عاليةً في النفوس، ولذلك فهي تختلف عن غيرها من الأماكن التي يرتادها الناس في حياتهم اليومية بما لها من آداب فاضلة وسلوكيات مثالية كالاستعداد لدخولها بالطهارة، ومراعاة آداب الدخول إليها والخروج منها والخشوع والسكينة أثناء المكوث فيها، وعدم رفع الصوت فيها أو الانشغال بأمور الدنيا بين جنباتها، فعن أبي هريرة (رضي الله عنه) أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: “إذا رأيتم من يبيعُ أو يبتاعُ في المسجد، فقولوا: لا أربح الله تجارتك، وإذا رأيتم من ينشُد فيه ضالةً، فقولوا: لا رد الله عليك” ( رواه الترمذي).
وهذا يعني صرف الوقت داخل المسجد لشؤون الدنيا أو لتعطيلها عن ذكر الله سبحانه. كما أن من آدابها العظيمة المشي إليها بتؤدة وخشوع وطمأنينة دونما جري أو تعجيل، والتبكير في الحضور إليها، وعدم تخطي الرقاب أو اختراق الصفوف لا سيماَ في صلاة الجمعة لما ورد في ذلك من النهي على لسان معلم الناس الخير(صلى الله عليه وسلم) .
يا من تخافون يومًا تتقلب فيه الأبصار، احرصوا على تسوية الصفوف عند إقامة الصلاة استعداداً للوقوف بين يدي الله عز وجل. فإن وقوفكم خلف الإمام بشكلٍ مستوٍ ومنتظم وعلى هيئة صفوفٍ متراصةٍ يربي المسلم على حب النظام والترتيب، ويربي النفوس على إزالة الملامح الطبقية والسمات الإقليمية، كما أن في ذلك غرساً لمبدأ المساواة والعدل في النفس البشرية، وإشارة إلى بنيان الأُمة المسلمة المرصوص. لما روي عن أنس بن مالك (رضي الله عنه) قال: أُقيمت الصلاة فأقبل علينا رسولُ الله (صلى الله عليه وسلم) بوجهه فقال: “أقيموا صفوفكم وتراصوا” (رواه البخاري).
وجاء في حديث آخر عن أنس بن مالك قال، قال (صلى الله عليه وسلم): “سوُّوا صفوفكم فإن تسوية الصف من تمام الصلاة” (رواه مسلم).
يا رجالاً تُحبون أن تتطهروا، حافظوا على نظافة المساجد وجمال مظهرها بحرصكم على إزالة ما قد يلوثها أو يشوه جمالها أو يُخل بطهارتها. ولذلك وجب علينا جميعًا الاهتمام الدائم والمستمر بنظافة المساجد لأنها شعار الإسلام، ومراكز تجمع المسلمين والتقائهم خمس مراتٍ في اليوم والليلة، وهي أطهر بقعةٍ وأقدس مكان يمكن أن تتم فيه تربية الإنسان المسلم وتنشئته ليكون فردًا صالحاً بإذن الله تعالى؛ فكان لا بُد من الاهتمام بنظافتها وترتيبها، وتعهدها بالطيب والبخور ونحوه لتكون لائقةً لاستقبال المصلين وأدائهم لعبادتهم بنفسٍ طيبةٍ وروحٍ مُنشرحة؛ فعن أم المؤمنين عائشة (رضي الله عنها) أنها قالت: “أمر رسول الله بِبِنَاء المساجد في الدور، وأن تُنظَّفَ و تُطيَّب” ( رواه أبو داود).
ويقول أحد دعاة الإسلام : “لقد حث عليه السلام على تطييبها [أي المساجد] بالروائح الطيبة، وجعل هذه المهمة لكل مسلم حتى لا ينفرد بهذا الشرف الكبير وحده، وحتى تتاح الفرصة للجميع فيُشاركون في تنظيف المساجد وتطييبها وتجهيزها للمصلين”.
يا رواد بيت الله احرصوا على تطييبها وتنـزيهها من الروائح الكريهة والقمامات والقاذورات حتى فيما حولها من مساحات لئلا يتأذى بها الملائكة الكرام الذين يشهدون المساجد مع المصلين، ولئلا تكون تلك الروائح مدعاة لإيذاء بقية المصلين الذين يتأذون من رائحة الثوم والبصل والكُرَّاث، وغيرها من الأطعمة والمأكولات ذات الروائح النافذة و المؤذية، إضافة إلى رائحة الدخان والشيشة ونحوهما من الروائح الخبيثة المنتنة، لا سيما وقت أداء الصلاة في بيتٍ من بيوت الله تعالى. فعن ابن عمر (رضي الله عنهما) أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال في غزوة خيبـر: “من أكل من هذه الشجرة –يعني الثوم– فلا يقربنَّ مسجدنا” (رواه البخاري).
وعن جابرٍ قال: نهى رسول الله عن أكل البصل والكُرَّاث، فغلبتنا الحاجة فأكلنا منها. فقال: “من أكل من هذه الشجرة المُنتنة فلا يقربن مسجدنا؛ فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه الإنس” (رواه مسلم).
من هنا فإن على كل مسلمٍ أن يهتم بنظافة المساجد وتطييبها وإزالة الأذى منها حتى تشتاق إليها الأرواح، وترتاح إليها الأنفس .
يا من تنتظرون الصلاة بعد الصلاة هنيئاً لكم بذلك؛ فقد حث الإسلام على إطالة الجلوس في بيوت الله تعالى، والمكوث فيها إن لم يكن للمسلم حاجة تدعو إلى قضائها خارج المسجد؛ لما في ذلك من الخير الكثير والفضل العظيم، ولذلك جاء في الحديث عن أبي هريرة (رضي الله عنه) أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: “لا يزال العبد في صلاةٍ ما كان في مُصلاه ينتظر الصلاة، وتقول الملائكة: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه حتى ينصرف أو يُحْدِثَ” (رواه مسلم).
كما جاء في الحديث عن أبي هريرة (رضي الله عنه) أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: “ألا أدُلُّكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع الدرجات؟ “قالوا: بلى. يا رسول الله! قال: “إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباطُ” (رواه مسلم).
فهنيئاً لعُمار المساجد الذين يُطيلون البقاء فيها لذكر الله تعالى، وأداء الفرائض والنوافل، وتلاوة القرآن الكريم، ومُدارسة العلوم الشرعية والتفقه في أمور الدين والدنيا، وحضور حلقات الدرس ومجالس العلم .
يا عباد الله الراكعين الساجدين العاكفين، احذروا من كيد أعداء الله وأعداء الإسلام الذين هم أعداء المساجد ومن فيها من الركع السجود، ولا تنسوا أن الله تعالى قد حذَّرنا منهم وسجل لنا التاريخ أنهم لا يتوانون عن الكيد للإسلام والمسلمين، ومحاولة الصد عن دين الله بكل الوسائل المتاحة لهم. وخير مثالٍ على ذلك الكيد الخبيث زعمهم أن المساجد ليست سوى دورٍ للعبادة، ومكانٍ لأداء الصلاة وتلاوة القرآن الكريم قبيل أداء الفريضة فقط. وأنها أصبحت غير مناسبة لتقديم الوظائف التي كانت تقوم بها في زمن النبوة وعهد السلف الصالح. فإن هذه دعوى باطلة، وفريةٌ عظيمة لا أساس لها من الصحة، وعلينا جميعاً أن نُعيد للمسجد رسالته السامية ودوره العظيم في بناء شخصية الإنسان المسلم، وتربيته التربية الإسلامية المثالية الصالحة لكل زمانٍ ومكان .
يا من تُجيبون دعوة الله تعالى؛ إياكم واصطحاب الأطفال الصغار الذين هم دون سن التمييز إلى بيوت الله لما في ذلك من إزعاجٍ للمصلين وقطعٍ لخشوع الخاشعين بالمرور بين أيديهم والإخلال بتنظيم صفوفهم. وليس هذا فحسب بل ربما وصل الأمر ببعض الأطفال إلى تلويث المسجد في بعض الأحيان. أما أولئك الأطفال الذين يُرجى من اصطحابهم تدريبهم على ارتياد المساجد وتعويدهم أداء الصلاة، وغرس حب المساجد في نفوسهم فلا بأس –إن شاء الله تعالى– من اصطحابهم مع مراعاة عدم الغفلة عنهم، ومحاولة التحكم في تصرفاتهم، وحثهم على احترام هذه المساجد والالتزام بآدابها والتحلي بأخلاقها.
يا من تُحبون بيوت الله تعالى وتحترمونها لا تنسوا أن من علامات احترام هذه البيوت المحافظة على المظهر الحسن عند ارتيادها والدخول إليها عملاً بقوله تعالى: ” يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ” (سورة الأعراف- الآية 31).
ومعنى ذلك أن يلبس المصلي لباساً لائقاً بالمساجد من حيث النظافة والستر والأناقة والهندام، والحشمة والوقار. و الحذر الحذر من ارتيادها بملابس غير لائقة كأن يأتي الإنسان إلى المسجد بثياب النوم أو بملابس العمل المتسخة أو التي تفوح منها الروائح المؤذية أو نحوها لأن في ذلك عدم احترام لقدسية هذا المكان، ثم لأنها قد تؤذي برائحتها من في المسجد من الملائكة والمصلين. وقد سبق معنا قوله (صلى الله عليه وسلم): “من أكل من هذه الشجرة المُنتنة فلا يقربن مسجدنا؛ فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه الإنس” (رواه مسلم).
يا من أديتم الفريضة في المساجد، إياكم والتفريط في الأذكار التي حثت السنة النبوية على الإتيان بها بعد أداء الفريضة، ولا يستعجل أحدكم في مغادرة المسجد حتى يذكر الله تعالى بما ثبت وصح عن معلم الناس الخير= محمد (صلى الله عليه وسلم) من أذكارٍ جامعةٍ مانعة؛ فقد روي عن أبي هريرة (رضي الله عنه) عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أنه قال: “من سبَّح الله في دبر كل صلاةٍ ثلاثاً وثلاثين، وحمد الله ثلاثاً وثلاثين، وكبَّر الله ثلاثاً وثلاثين، فتلك تسعةٌ وتسعون، وقال تمام المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيءٍ قدير، غُفرت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر” (رواه مسلم).
وقد روي عن ابن عباسٍ (رضي الله عنهما) أنه قال: “إن رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة كان على عهد رسول الله (صلى الله عليه وسلم)”، وقال ابن عباسٍ: “كنت أعلم إذا انصرفوا بذلك إذا سمعته” (رواه البخاري).
______________
المصدر: صيد الفوائد