مسألة: (يستحب المشي إلى الصلاة بسكينة ووقار ويقارب بين خطاه ولا يشبك أصابعه).
قال أبو عبد الله -رحمه الله- في رواية مهنى ويستحب للرجل إذا أقبل إلى المسجد أن يقبل بخوف ووجل وخشوع وخضوع وأن تكون عليه السكينة والوقار ما أدرك صلى وما فات قضى بذلك جاء الأثر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- يعني وجاء عنه أنه كان يأمر بإثقال الخطى؛ يعني قرب الخطى إلى المسجد.
ولا بأس إذا طمع أنْ يدرك التكبيرة الأولى أن يسرع شيئًا، ما لم يكن عجلة تقبح. جاء الحديث عن أصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم- مشي إلى الصلاة : “أنهم كانوا يعجلون شيئًا إذا تخوفوا فوت التكبيرة الأولى وطمعوا في إدراكها وذلك لما روي عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: “إذا سمعتم الإقامة فامشوا وعليكم السكينة ولا تسرعوا فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا”. وعن أبي قتادة قال: “بينما نحن نصلي مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذ سمع جلبة رجال فلما صلى قال ما شأنكم قالوا استعجلنا إلى الصلاة قال فلا تفعلوا إذا أتيتم الصلاة فعليكم السكينة فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا” (متفق عليه).
فعلى هذا يكره الإسراع الشديد مطلقًا وإن فاته بعض الصلاة لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك.
ويكره الإسراع اليسير إلا إذا خاف فوت تكبيرة الافتتاح وطمع في إدراكها لما ذكره الإمام أحمد عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أنهم كانوا يعجلون شيئًا إذا تخوفوا فوت التكبيرة وطمعوا في إدراكها” وقد روى سعيد في سننه عن رجل من طيء قال كان عبد الله ينهانا عن السعي إلى الصلاة فخرجت ليلة فرأيته يشتد إلى الصلاة فقلت يا أبا عبد الرحمن كيف تنهانا عن السعي إلى الصلاة فرأيتك الليلة اشتددت إليها قال إني وأبيك بادرت حد الصلاة؛
يعني التكبيرة الأولى وهذا يدل على أن هذا الموضع غير داخل في نهي النبي صلى الله عليه وسلم لأن أصحابه أعلم بمعنى ما سمعوه منه فإن ابن مسعود من جملة رواة هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وسياق الحديث يدل على أن النهي إنما هو لمن فاتته تكبيرة الافتتاح لأنه في اناس سمع جلبتهم وهو في الصلاة وهذا بعد التحريم وفي الحديث الاخر إذا سمعتم الاقامة فامشوا إلى الصلاة فغالب من يكون بعيد الدار عن المسجد إذا أتى حين يسمع الإقامة تفوته التكبيرة والفرق بين هذا الموضع وغيره أنه جاء فضل عظيم فيمن يدرك حد الصلاة وإدراك الحد أن يدرك أولها وهو أن يدرك الصلاة قبل تكبيرة الإمام ليكون خلف الامام إذا كبر للافتتاح وهذا القدر لا ينجبر إذا فات لأنه يكون مدركًا للركعة ولو أدرك الإمام في الركوع بخلاف ما إذا فاتته الركعة فإنه يمكن أن يقضي ما فاته وبخلاف ما إذا فاته حد الصلاة فإنه قد آيس من إدراك الحد فإذا كان هذا المقصود العظيم الذي لا ينجبر فواته يحصل بإسراع يسير لم يكره ذلك.
فأما الإسراع لإدراك الركعة فباق على عموم الحديث بل هو المقصود منه لأن الفوات إنما يكون بفوات الركعة لأنه صلى الله عليه وسلم قال: “لأبي بكرة لما أسرع لإدراك الركوع زادك الله حرصًا ولا تعد”.
وإن خشي فوات الجماعة أو الجمعة بالكلية فلا ينبغي أن يكره له الإسراع هنا لأن ذلك لا ينجبر إذا فات وقد علل رسول الله صلى الله عليه وسلم الأمر بالسكينة لقوله فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا فمن لا يرجوا إدراك شيء إذا مشى عليه السكينة؛ يدخل في هذا الحديث وقد قيده في الحديث الآخر إذا سمعتم الإقامة فعلم أن الخطاب لمن يأتي الصلاة طامعًا في إدراكها ولا فرق فيما ذكرناه من كراهة الإسراع لمن رجى الإدراك بين الجمعة وغيرها لعموم الحديث وقد روى الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “الأناة من الله والعجلة من الشيطان وقال صلى الله عليه وسلم: “إن فيك لخلتين يحبهما الله الحلم والأناة” (رواه مسلم). وكان قد استأنى في دخوله على النبي صلى الله عليه وسلم دون رجال قومه وأصل ذلك في قوله تعالى: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأرض هَوْناً} قال الحسن وغيره سكينة ووقار وقال لقمان في وصيته لابنه {وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ}.
ولأن الإسراع الشديد يُذهب بالحلم ويغير العقل والرأي فكُره؛ لما فيه من هذه المفاسد وغيرها ولأنه إذا استأنى وصلى البعض في الجماعة والبعض منفردًا كان أصلح وأبلغ في اجتماع همه على الصلاة من الإسراع الشديد الذي تتعقبه الصلاة ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: “لأبي بكرة زادك الله حرصًا ولا تعد”ولهذا أمر صلى الله عليه وسلم بتقديم العشاء والخلاء على الصلاة ليجمع القلب عليها.
___________________________
المصدر: شرح العمدة لابن تيمية – كتاب الصلاة.