ربط النفوس بالله وعمارتها بربها من خلال الصلاة

ربط النفوس بالله وعمارتها بربها

ومن أعجب مواضع القرآن في ربط النفوس بالله وعمارتها بربها، ولا أظن أن ثمة دلالة أكثر من ذلك على هذا الأمر: (صلاة الخوف حال الحرب)، هذه الشعيرة تسكب عندها عبرات المتدبرين..
وقد تكفل القرآن ذاته بشرح صفتها، وجاءت في السنة على سبعة أوجه معروفة تفاصيلها في كتب الفقه .. بالله عليك تخيل المسلم وقد لبس لأمة الحرب، وصار على خط المواجهة، والعدو يتربص، والنفوس مضطربة قلقة، والأزيز يمخر الأجواء، والدم تحت الأرجل.. ومع ذلك لم يقل الله دعوا الصلاة حتى تنتهوا، بل لم يقل دعوا “صلاة الجماعة” ! وإنما شرح لهم كيف يصلوا جماعة في هذه اللحظات العصيبة ﴿وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ﴾ (النساء: 102)

ربط النفوس بالله وعمارتها بربها من خلال الصلاة

لماذا شرع الله الصلاة وأحبها وعظمها سبحانه؟

هل تعرف في الدنيا كلها شاهد على حب وتعظيم الله جل وعلا للارتباط بالله واستمرار مناجاته أكثر من ذلك؟
بل هل يوجد رجل فيه شيء من الورع وخوف الله يهمل صلاة الجماعة وهو في حال الأمن والرفاهية وعصر وسائل الراحة؛ وهو يرى ربه تعالى يطلب من المقاتلين صلاة الجماعة ويشرح لهم تفاصيل صفتها بدقة، وهم تحت احتمالات القصف والإغارة؟!
هل تستيقظ نفوس افترشت سجاداتها في غرفها ومكاتبها تصلي “آحاداً” لتتأمل كيف يطلب الله صلاة “الجماعة” بين السيوف والسهام والدروع والخنادق..؟!
أترى الله يأمر المقاتل الخائف المخاطر بصلاة الجماعة، ويشرح له صفتها في كتابه، ويعذر المضطجعين تحت الفضائيات، والمتربعين فوق مكاتب الشركات؟! هل تأتي شريعة الله الموافقة للعقول بمثل ذلك؟!
ومن اللطيف أن الآية التي أعقبت الآية السابقة تكلمت عن حال إتمام الصلاة، حسناً .. نحن عرفنا الآن من الآية السابقة صفة الصلاة لحظة احتدام الصفين، فما هو التوجيه الذي سيقدمه القرآن بعد الانقضاء من الصلاة؟ يقول تعالى: ﴿فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ﴾ (النساء: 103)
يا سبحان ربي .. الآن انتهى المقاتل من صلاة الجماعة، فيرشده القرآن لاستمرار ذكر الله ..
هل انتهى الأمر هاهنا؟
لا، لم ينته الأمر بعد، فقد واصلت الآية الحديث عن انتهاء حالة الخوف، وبدء حالة الاطمئنان، ويتصل الكلام مرةً أخرى لربط النفوس بالله ﴿فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ﴾ (النساء: 103)
صارت القضية كلها لله ..
بالله عليك أعد قراءة الآيتين متواصلتين ﴿وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا (102) فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا﴾ (النساء: 102-103)
ولما ذكر الله الصلاة في سورة “طه” أشار إلى غاية تغيب عن بال كثير من المصلين فضلاً عمن دونهم، ربما يتحدث الواحد منا عن عظمة الصلاة في الإسلام، وأنها أعظم ركن بعد الشهادتين، وأنها الخط الفاصل بين الكفر والإيمان، ونحو هذا من معاني مركزية الصلاة، ولكن لماذا شرع الله الصلاة وأحبها وعظمها سبحانه؟ إنها بوابة استحضار الله وتذكره، يقول الله سبحانه: ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي﴾ (طه: 14) هكذا بكل وضوح.. يقيم المسلمون الصلاة ليتذكرون الله جل وعلا.. يكبروه ويسبحوه ويناجوه..

______________________________________

المصدر: كتاب الطريق إلى القرآن للشيخ إبراهيم السكران. 

مواضيع ذات صلة