باب في آداب المشي إلى الصلاة من كتاب الصلاة لابن تيمية على شرح ابن العمدة:
ذكرنا في الجزء الأول فضل الذهاب إلى المسجد بالإضافة إلى ما يستحب قوله عند الخروج من البيت وفي الطريق إلى المسجد.
عن عقبة بن عامر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إذا تطهر الرجل ثم أتى المسجد يرعى الصلاة كتب له كاتباه بكل خطوة يخطوها إلى المسجد عشر حسنات والقاعد يرعى الصلاة كالقانت ويكتب من المصلين من حين يخرج من بيته حتى يرجع إليه” (رواه أحمد).
وعن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: “أقيمت الصلاة فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي وأنا معه فقارب الخطى ثم قال تدري لم فعلت هذا لتكثر خطاي في طلب الصلاة” (رواه عبد بن حميد).
وأما التشبيك بين الأصابع فيُكره من حين يخرج وهو في المسجد أشد كراهة وفي الصلاة أشد وأشد لما روى كعب بن عجرة -رضي الله عنه- قال سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: “إذا توضأ أحدكم ثم خرج عامدًا إلى الصلاة فلا يشبكن بين يديه فإنه في صلاة” (رواه أحمد وأبو داود والترمذي)، وعنه: “أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يشبك أصابعه في الصلاة ففرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصابعه” (رواه ابن ماجة)،” وعن أبي سعيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إذا كان أحدكم في المسجد فلا يشبكن فإن التشبيك من الشيطان وإنّ أحدكم لا يزال في الصلاة ما دام في المسجد حتى يخرج منه” (رواه أحمد).
قال أبو عبد الله في رسالته واعلموا أن العبد إذا خرج من منزله يريد المسجد يأتي الله الجبار الواحد القهار العزيز الغفار وإن كان لا يغيب عن الله تعالى حيث كان ولا يعزب عنه مثقال حبة من خردل ولا أصغر من ذلك ولا أكبر في الأرضين السبع ولا في السماوات السبع ولا في البحار السبع ولا في الجبال الصم الصلاب الشوامخ البواذخ وإنما يأتي بيتا من بيوت الله يريد الله وتوجه إلى الله وإلى بيت من البيوت التي أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والأصال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله؛ فإذا خرج من منزله فليحدد لنفسه تفكرًا وأدبًا غير ما كان عليه وغير ما كان فيه قبل ذلك من حالات الدنيا وأشغالها وأن يخرج بسكينة ووقار فإن النبي صلى الله عليه وسلم بذلك أمر وليخرج برغبة ورهبة وبخوف ووجل وخضوع وذل وتواضع لله عز وجل فإنه كلما تواضع لله عز وجل وخشع وذل لله عز وجل كان أزكى لصلاته وأحرى لقبولها وأشرف للعبد وأقرب له من الرب، وإذا تكبر قصمه الله ورد عمله وليس يقبل من المتكبر عملاً،
جاء الحديث عن إبراهيم عليه السلام خليل الله عز وجل أنه أحيا ليلة فلما أصبح أعجب بقيام ليلته فقال نعم الرب رب إبراهيم ونعم العبد إبراهيم فلما كان غداؤه لم يجد أحدا يأكل معه فنزل ملكان من السماء فاقبلا نحوه فدعاهما إبراهيم إلى الغداء فأجاباه فقال لهما تقدما بنا إلى هذه الروضة فإن فيها عينًا وفيها ماء فنتغذى عندها فتقدموا إلى الروضة فإذا العين قد غارت فليس فيها ماء فاشتد ذلك على إبراهيم واستحيا مما قال إذ رأى غير ما قال فقالا له يا إبراهيم ادع ربك واسأله أن يعيد الماء في العين فدعا الله عز وجل فلم يرى شيئًا فاشتد ذلك عليه فقال لهما ادعوا الله فدعا أحدهما: فرجع وهو بالماء في العين ثم دعا الآخر فاقبلت العين فاخبراه أنهما ملكان وأن إعجابه بقيام ليلة رد دعاءه عليه ولم يستجب له”.
ويستحب لكل من خرج من بيته إلى الصلاة وغيرها أن يقول ما روي أنس بن مالك رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من قال إذا خرج من بيته بسم الله توكلت على الله ولا حول ولا قوة إلى بالله قيل له هديت وكفيت ووقيت وتنحى عنه شيطان فيلقاه شيطان اخر فيقول مالك برجل قد هدي وكفي ووقي” ( رواه الترمذي وقال حسن غريب لا نعرفه إلا في هذا الوجه) وعن أم سلمة رضي الله عنها: “أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج من بيته قال بسم الله توكلت على الله اللهم انا نعوذ بك من أن نزل أو نضل أو نظلم أو نظلم أو نجهل أو يجهل علينا” (هذا لفظ الترمذي وقال: حديث حسن صحيح).
وأما الخارج إلى الصلاة خصوصا فقد روي أنه يقول بسم الله: {الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ} إلى قوله: {إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}.
والدعاء الآخر رواه فضيل بن مرزوق عن عطية عن أبي سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إذا خرج الرجل من بيته إلى الصلاة وقال اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك وبحق ممشاي هذا فإني لم أخرج أشرًا ولا بطرًا ولا رياء ولا سمعة خرجت اتقاء سخطك وابتغاء مرضاتك أسألك أن تنقذني من النار وأن تغفر لي ذنوبي أنه لا يغفر الذنوب إلا أنت” (رواه أحمد وابن ماجة والطبران).
_________________________
المصدر: شرح العمدة لابن تيمية – كتاب الصلاة.