إذا أردت الخشوع في الصلاة فإليك بعض النصائح:
1 -عليك أن تجمع نفسك قبل الدخول في الصلاة؛ فلا تُحرم بالصلاة إلا بنفس مجتمعة، وفكر متدبِّر، وقلب حاضر.
واحذر أن تنتزع نفسك من مشاغلك وأعمالك، وتقبل على الصلاة مباشرة، دون أن تتهيأ لهذه الصلاة الربانية، ولهذا الوقوف بين يدي الله، ولهذه المناجاة العظيمة.
يا أخي، هل تسارع في مقابلة مسؤول كبير: ملك أو وزير دون أن تُعدَّ نفسك لهذه المقابلة؟
وعليك أن تستحضر عظمة الله الذي تقف بين يديه؛ فهو سبحانه ملك الملوك وجبّار السماوات والأرض، هو الملك القدّوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبّار المتكبّر.. له ملك السماوات والأرض وإليه -سبحانه-تُرجع الأمور.. وهو على كل شيء قدير.. عليك أن تستحضر معاني هذه الأسماء الحسنى، وتستحضر علمه الواسع؛ فهو لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، يعلم السرّ وأخفى.. وأن تستحضر أنك واقف بين يديه سبحانه تناجيه وتدعوه.. وتستحضر تقصيرك وتفريطك وضعفك وحاجتك إلى الله.. إن ذلك يعين على الخشوع والتذلل لله سبحانه.
ويحقق لك هذا الغرض حضورك المبكِّر صلاة الجماعة في المسجد، فإذا أُذن للصلاة فسارع إلى المسجد وكلما بكّرت في الحضور إلى المسجد -كما دعت إلى ذلك السنة المطهرة-أتحت لنفسك جوًّا روحيًّا يجمع شتاتها ويغمرك بالخشوع. تقرأ في هذا الوقت شيئاً من القرآن أو تذكر الله وتدعوه بالمأثور من الدعاء بعد ذلك تحية المسجد والنافلة الراتبة، وتبقى في هذا الجوِّ الروحي حتى تقام الصلاة.
أما إذا صليت في البيت لسبب من الأسباب المشروعة -وهذا قائم بالنسبة إلى النساء- فلتجلس قليلاً قبل الصلاة تحاول أن تجمع نفسك، وتراجع ما ستقرؤه في الصلاة. وقد قال (صلى الله عليه وسلم): “لا يزال العبد في صلاة ما كان في مصلاه ينتظر الصلاة. والملائكة تقول: اللهم اغفر له. اللهم ارحمه. حتى ينصرف أو يُحدث.” قيل: وما يحدث؟ قال: “يفسو أو يضرط” (رواه مسلم).
2- إن الخشوع مرتبط بمعنى الإحسان أعظم الارتباط، والإحسان من أعلى مراتب العبودية.
والخشوع يتحقق بإقبال العبد على الله بفكره وقلبه وجوارحه، وعندئذٍ سيقبل الله عليه بالمغفرة والقبول، كما جاء في الحديث القدسي عن أنس (رضي الله عنه) عن النبي (صلى الله عليه وسلم) فيما يرويه عن ربه عز وجل أنه قال: “إذا تقرب العبد إليّ شبراً تقربت إليه ذراعاً، وإذا تقرب إليّ ذراعاً تقربت إليه باعاً وإذا أتاني يمشي أتيته هرولة” (رواه البخاري).
إن العبد لو استطاع أن يحقق هذا الذي ذكرنا لحصل له الخشوع تلقائيًّا.
3- وعليك أن تستحضر تفاهة الدنيا، وأن البقاء فيها -مهما طال-إلى رحيل.. وهو مؤقت، وأن متاعها متاع الغرور.. وتستحضر أننا صائرون إلى الله ليوفّينا أعمالنا؛ جاء في الحديث القدسي: “يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفّيكم إياها؛ فمن وجد خيراً فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومَنَّ إلا نفسه” (رواه مسلم).
وعن سعد بن أبي وقاص (رضي الله عنه) أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال للذي أوصاه: “إذا صلّيت فصلّ صلاة مودّع” (رواه الحاكم وقال صحيح الإسناد ووافقه الذهبي).
إن معرفة الدنيا على حقيقتها تساعد المرء على امتثال تلك الوصية وهي أن يصلي صلاة مودّع.
4- وعليك ألا تتعجل في أداء الصلاة. إن ذلك سبب في إفساد صلاتك. ولقد صلّى رجلٌ أمام رسول الله فأساء صلاته، فقال له (صلى الله عليه وسلم): “ارجع فصلّ فإنك لم تصلِّ” (رواه البخاري ومسلم).
أدِّ صلاتك بأناة وتمهُّل وطمأنينة تامة، فغالباً ما تكون العجلة سبباً في ضياع معنى الخشوع؛ فقد روى أصحاب السنن أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: “لا تجزئ صلاةٌ لا يقيم الرجل فيها صلبه في الركوع والسجود” (رواه ابن ماجه وأبو داوود والنسائي). وروى مسلم أنه (صلى الله عليه وسلم) قال: “تلك صلاة المنافق يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرني الشيطان قام فنقر أربعًا، لا يذكر الله فيها إلا قليلاً” (رواه مسلم).
قال ابن تيمية: “وإذا كان الخشوع في الصلاة واجباً، وهو متضمن للسكون والخشوع فمن نقر نقر الغراب لم يخشع في سجوده،… فمن لم يطمئن لم يسكن، ومن لم يسكن لم يخشع في ركوعه ولا سجوده، ومن لم يخشع كان آثماً عاصياً” (الفتاوى 22/ 558).
5- والصلاة في أول الوقت أعون على حصول الخشوع؛ ذلك لأن المرء يكون في فسحة من الوقت، إن كان يريد أن يدخل الخلاء، أو أن يجمع نفسه، أو أن يختار المكان الملائم للصلاة الخاشعة.
أما إذا أخّرها إلى آخر الوقت لم يستطع أن يفعل ذلك كله.. بل يصلّيها بسرعة وهو بحال يبعد عنه الخشوع، وكذلك إذا أخّر أداءها إلى ما قبل موعد مهمّ، أو عمل أو أمر مستعجل يتحتم عليه فعله، فإنه سيؤديها بسرعة ولا يكاد يفقه منها شيئاً.
6- وعلى المصلّي سواء كان بالمسجد أو في البيت أن يتخذ سُترة يقف وراءها أو أن يقترب من الجدار حتى لا يشغله شاغل ولا يمرّ بين يديه مارٌّ، فعن النبي – صلى الله عليه وسلم-مرفوعاً: “إذا صلّى أحدكم إلى سترة فليدن منها لا يقطع الشيطان عليه صلاته” (رواه أبو داوود والنسائي).
وهذه الوصية مهمة ويتهاون بها كثير من الناس.
7- أحسنْ وضوئك بحيث تغسل كل عضو يجب غسله مستوعباً محلَّ الغسل، فويل للأعقاب من النار كما جاء في الحديث.
وقد يكون لذلك تأثير في الخشوع وحضور القلب. جاء في الحديث الذي أخرجه أحمد عن رجل من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-صلّى بهم الصبح فقرأ الروم فيها فأوهم، فلما انصرف قال: “إنّه يلبِّس علينا القرآن أن أقواماً منكم يصلّون معنا لا يحسنون الوضوء؛ فمن شهد الصلاة معنا فليحسن الوضوء”.
8– احرص على أداء السُّنن الرواتب؛ فأداء الرواتب القبلية يوقظ القلب ويهيئه للخشوع، وأداء الرواتب البعدية يمكّن المعاني الكريمة التي اكتسبها المصلّي. وثوابها عظيم جداً، وهو بيت في الجنة.
9- وعليك أن تقلّل من حركاتك في أثناء الصلاة، بل لا تتحرك إلا لضرورة؛ فسكون الجوارح يعين على حضور القلب.
فعن جابر بن سَمُرة قال: خرج علينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-والناس رافعوا أيديهم في الصلاة. فقال: “ما لي أراكم رافعي أيديكم كأنها أذناب خيل شُمْس؟ اسكنوا في الصلاة” (رواه مسلم).
10- وعليكَ أن تستبعد المشاغل كلّها في وقت الصلاة، فلتضبط أمورك بحيث لا يكون لك صارف عن الإقبال على الصلاة في وقتها المحدّد المعروف. كان أبو الدرداء يقول: “من فقه الرجل أن يبدأ بحاجته قبل دخوله في الصلاة، ليدخل في الصلاة وقلبه فارغ” (الإحياء: للغزالي 1/ 178).
_______________________________
المصدر: كتاب الخشوع في الصلاة للصلاة للشيخ الصباغ.