القدوة الحسنة في تعليم الأطفال الصلاة
من أنواع البناء التربوي للأطفال: البناء العبادي، أي: بناؤهم في ناحية العبادة، وأهم العبادة بلا شك هو ركن الصلاة، فالأطفال يعتقدون أن كل ما يفعله الكبار صحيح، ويرون آباءهم أكمل الناس وأفضلهم، ولذلك يحاكونهم ويقتدون بهم.
ففي السن المبكرة لا يكتفي الأطفال بمجرد تلقين معلومات لا يكون لها أثر مثلما يكون الأثر عن طريق القدوة العملية؛ لأن الفترات الأولى للطفل يتأثر فيها بالتفكير المادي أو الحسي، فهو يتأثر بالأمور المحسوسة ويعيها جيداً.
مثال: إذا حدثت طفلاً عمره ثلاث سنين لا تستطيع أن تكلمه عن المعاني المجردة: الجمال والعدل والسماحة والكرم وهكذا؛ لأن هذه لا يدركها الطفل لأنها معانٍ مجردة، لكنه يدرك الأمور المحسوسة ويتأثر بها جداً. فموضوع القدوة في حياة الطفل يعتبر من أخطر وسائل التربية وأشدها أثراً على الإطلاق؛ ففي السن المبكرة لا يتأثر الأطفال بالتلقين -الكلام الشفوي- إذا لم توجد أمامهم القدوة الصالحة التي تترجم بصورة عملية المعاني المجربة، ولذلك فإن أفضل وأعمق طريقة تؤثر في حفر قيمة الصلاة في نفوس الأبناء، هي أن يروا أبويهم يحافظان على الصلاة أمامهم باستمرار، أما الأب فبصلاة النافلة في البيت، وأما الأم فالفريضة، وإذا صلى الوالد دون أن يأمر الأطفال الصغار – ممن دون السابعة بالتحديد- فسوف يجد الأب أن الطفلة تذهب بجوار الذي يصلي وتقوم بتقليده، وتقلده في الحركات بطريقة سائدة معروفة، تنظر إليه وهو يسجد وتنظر كيف يصلي حتى تقلده في الحركات، فهو لم يدعوها أصلاً للصلاة لكن الطفل يتقمص فعل الأب، والتقمص يعتبر من أعلى مراتب التقليد، بل أعمق وأقوى صور التقليد والمحاكاة هي التقمص، فهو يتوحد مع أبيه أو يتقمصه ويفعل ما يراه بطريقة عملية.
وكما تكلمنا من قبل مراراً أن موضوع التربية لا يكون بأن يقول الأب لأولاده: تعالوا معنا الآن إلى حصة تربية، ثم يعطيهم محاضرات! لأن التربية عملية مستمرة خلال الأربع والعشرين ساعة في كل سلوك يفعله الآباء بالذات، فعندما يقول الأب مثلاً لابنه: إذا اتصل أحد يريدني فقل: أبي غير موجود. فهذه تربية على الكذب واستباحة له، وأن الكذب يعتبر طريقة مقبولة للتخلص من الحرج، أو واحد يطرق الباب فتقول: قل له أبي غير موجود، فيقول: أبي يقول لك إنه غير موجود، فالطفل بهذه الطريقة يتشرب الكذب، وأنت بهذا تعلمه كيف يستطيع التخلص من المواقف بالكذب، أو إذا كان الأب يخون الأمانة، أو يكيد لزملائه ثم يحكي ذلك في البيت والطفل يسمعه .. كل هذه وسائل تربية تترك بصمات عميقة الأثر مدى الحياة في ذلك الطفل.فإذاً: مجرد التلقين بالكلام والوعظ الشفهي بالنسبة للأطفال لا يؤثر فيهم ما لم توجد أمامهم صورة عملية، يسمونها: (كونتريك سنجل)، أي: تفكير متحجر، ليس هو تفكير المعاني المجردة، وإنما هو التفكير الحسي، ولابد من وجود شيء حسي وليس شيئاً معنوياً فقط مثل قيم الجمال، والتسامح والعدالة والنزاهة، لأن الطفل في غفلة عن مثل هذه المعاني ، لكنه لا بد أن يوجه بشيء حسي، فإنه يجسد الصورة التي يتوحد معها هذا الطفل.إذاً: محافظة الأب أو الأم على الصلاة تؤثر في الأطفال أعمق الأثر، وتحفر الصلاة في وجدانهم حفراً.
____________________________________________
المصدر: كتاب محو الأمية التربوية للشيخ محمد إسماعيل المقدم.