أولاً: تعريف سجود السهو
السهو في الصلاة هو النسيان فيها، بأن ينسى المصلي فينقص شيئاً من أعمال الصلاة أو يزيد فيها، أو أن يشك هل أتى به أو لا.
وسجود السهو: عبارة عن سجدتين يسجدهما المصلي لجبْر الخلل الحاصل في صلاته بسبب النسيان أو الشك، وترغيماً للشيطان في وسوسته للعبد.
ثانياً : متى يشرع سجود السهو؟
لا يُشرع سجود السهو في شيء من أعمال الصلاة إذا تركه الإنسان متعمداً، وإنما يُشـرع حال السهو والنسيان أو الشك؛ لحديث أبي هريرة أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: “إِذَا سَهَا أَحَدُكُمْ فَلَمْ يَدْرِ أَزَادَ أَوْ نَقَصَ فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ…” (رواه النسائي في الكبرى، بإسناد صحيح)
وسجود السهو قد يكون مسنوناً، وقد يكون مستحباً، وقد يكون واجباً.
– فيسن سجود السهو إذا سها فأتى بقول مشروع في غير محله؛ كقراءة القرآن في الركوع أو السجود أو الجلوس أو أن يأتي بالتشهد في القيام، أو الصلاة على النبي (صلى الله عليه وسلم) في التشهد الأول.
– ويباح سجود السهو ولا يجب إذا سها فترك شيئاً مسنوناً كان من عادته أن يأتي به؛ كما لو ترك دعاء الاستفتاح سهواً؛ أما كونه مباحاً فلحديث ثوبان عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: “لِكُلِّ سَهْوٍ سَجْدَتَانِ بَعْدَمَا يُسَلِّمُ”. (رواه أبو داود، بإسناد حسن)
وأما كونه يباح ولا يجب فلأنه لا يمكن التحرز من تركها لكثرتها، ولو وجب لها سجود سهو لما خلت صلاة من سهو في الغالب.
– أما سجود السهو الواجب فيكون في الحالات الآتية:
1- أن يزيد فعلاً من جنس أفعال الصلاة سهواً؛ كزيادة ركوع أو سجود أو قيام أو قعود؛ لحديث عبد الله ابن مسعود (رضي الله عنه) أن النبي (صلى الله عليه وسلم): “صَلَّى الظُّهْرَ خَمْساً فَقِيلَ لَهُ: أَزِيدَ في الصَّلاةِ؟ فَقَالَ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالُوا: صَلَّيْتَ خَمْساً. فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ بَعْدَ مَا سَلَّمَ”. (رواه البخاري ومسلم)
2- إذا سلَّم المصلي من صلاته قبل إتمامها، إذا تذكره في وقت قصير، أتم الناقص وسجد للسهو؛ لحديث عمران بن حصين قال: “سَلَّمَ رَسُولُ الله (صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) في ثَلاثِ رَكعاتٍ مِنَ العَصْرِ، ثُمَّ قَامَ فَدَخَلَ الحُجْرَةَ، فَقَامَ رَجُلٌ بَسِيطُ اليَدَيْنِ فَقَالَ: أَقَصُرَتِ الصَّلاةُ؟ فَخَرَجَ فَصَلَّى الرَّكْعَةَ الَّتِي كَانَ تَرَكَ، ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَي السَّهْوِ، ثُمَّ سَلَّمَ”. (رواه مسلم)
3- إذا لحن في القراءة لحناً يُحيل المعنى ويغيره؛ لأن اللحن المتعمد يبطل الصلاة، فوجب السجود إذا كان اللحن عن سهو ونسيان.
4- إذا ترك المصلي واجباً من واجبات الصلاة؛ كأن يترك التشهد الأوسط في الصلاة الرباعية؛ لما جاء في حديث عبد الله بن بحينة “أنَّ النَّبِيَّ (صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَامَ في الظُّهْرِ مِنْ رَكْعَتَينِ فَلَمْ يَجْلِسْ، فَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ، فَلَمَّا قَضَى الصَّلاةَ، انْتَظَرَ النَّاسُ تَسْلِيمَهُ، كَبَّرَ فَسَجَدَ سَجْدَتَينِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ، ثُمَّ سَلَّمَ”. (أخرجه البخاري ومسلم)
5- إذا شك المصلي في زيادةٍ حَالَ فِعْلِها؛ لحديث النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: “وَإِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ في صَلاتِهِ، فَلْيَتَحَرَّ الصَّوَابَ، فَلْيُتِمَّ عَلَيْهِ ثُمَّ لِيُسَلِّم ثُمَّ يَسْجُدْ سَجْدَتَينِ”. (متفق عليه). ولأن الشك فيه تردد وهو مضعف للنية فاحتاجت للجبر بالسجود.
أما إذا كان الشك في الزيادة بعد فعلها، فلا يجب عليه سجود السهو؛ لأن الأصل عدم الزيادة، واليقين لا يزول بالشك، فيكون المشكوك فيه والحالة هذه كالمعدوم.
ثالثاً: موضع سجدتي السهو
يشرع سجود السهو في آخر الصلاة، ويصح فعله قبل السلام أو بعد السلام؛ لأن الأحاديث وردت بالأمرين.
لكن إن سجد للسهو بعد السلام، يجب عليه بعدهما أن يتشهد ويسلم؛ لحديث عمران بن حصين “أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بِهِمْ فَسَهَا، فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ تَشَهَّدَ ثُمَّ سَلَّمَ”. (رواه أبو داود والترمذي وحسنه، والرواية الصحيحة من غير ذلك التشهد)
والقول الآخر في المذهب أنه لا يجب عليه التشهد إذا سجد بعد السلام، وإنما يسجد ثم يسلم مباشرة، قال في الشرح الكبير: “ويحتمل أن لا يجب التشهد؛ لأن الحديثين الأولين أنه سلم من غير تشهد، وهما أصح من هذه الرواية”، وهو اختيار ابن قدامة وابن تيمية.
رابعاً: ترك سجود السهو عمداً
– إذا تعمد المصلي ترك سجود السهو الواجب؛ فلا يخلو فيه الأمر من أحد حالتين:
الأولى: أن يكون موضع السجود الواجب قبل السلام، فتبطل صلاته بتعمد تركه؛ لأنه واجب، وترك الواجب في الصلاة متعمداً يبطل الصلاة.
الثانية: أن يكون موضع السجود الواجب بعد السلام، فصلاته صحيحة ولا تبطل بذلك؛ لأن السجود بعد السلام خارج عن الصلاة، فلم يؤثر تركه في إبطالها.
خامساً: نسيان سجود السهو
– إذا نسي المصلي سجود السهو ثم ذكره قبل طول الفصل وهو ما زال في المسجد، فإنه يسجد للسهو سواء تكلم أو لم يتكلم. لحديث ابن مسعود “أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَجَدَ سَجْدَتَي السَّهْوِ بَعْدَ السَّلامِ وَالكَلامِ”. (رواه مسلم)
– أما إذا نسي سجود السهو حتى طالت مدة الفصل بين سلامه وتذكره لسجود السهو، أو خرج من المسجد، لم تبطل صلاته ويسقط عنه؛ لأن سجود السهو إنما شرع لتكميل الصلاة فلا يأتي به مع طول الفصل، ولأن السهو شرع للصلاة وهو خارج عنها، فلم تفسد بتركه.
وأما سقوطه بالخروج من المسجد؛ فلأن المسجد محل الصلاة وموضعها، فيسقط سجود السهو بمفارقته، كسقوط خيار البيع عند مفارقة المجلس.
– وإذا نسي المصلي سجود السهو ثم أحدث وبطلت طهارته، فإنه يسقط عنه سجود السهو أيضاً؛ لفوات محله.
سادساً: سجود السهو في صلاة الجماعة
– إذا سها المأموم في صلاته مع الجماعة فلا سجود عليه إذا كان قد دخل مع الإمام في أول الصلاة، إجماعاً. وذلك لما ثبت من حديث معاوية بن الحكم أنه تكلم خلف النبي (صلى الله عليه وسلم) فلم يأمره بسجود السهو. (رواه مسلم)
– أما إذا وقع السهو من الإمام، فيجب على المأموم متابعة الإمام في سجود السهو، فـإذا نسـي الإمام السجود للسهو وجب على المأموم السجود للسهو؛ لأنه لم يوجد من الإمام ما يكمل به صلاة المأموم.
سابعاً: رجوع المصلي إلى فعل ما سها عنه في الصلاة
– إذا قام المصلي إلى ركعة زائدة في الصلاة ، فإنه يجب عليه الرجوع إلى الجلوس والتشهد متى تذكر ذلك من غير تكبير؛ لأنه لو ترك الرجوع لزاد في الصلاة ما ليس منها عمداً ، فتبطل صلاته بذلك .
– أما إذا قام المصلي إلى الركعة الثالثة ناسياً التشهد الأول، فلا يخلو من ثلاثة أحوال:
أ- أن يذكر التشهد قبل أن يعتدل قائماً، فيلزمه الرجوع ليتشهد؛ لما روى المغيرة بن شعبة عن النبي (صلى الله عليه وسلم) أنه قال: “إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ في الرَّكْعَتَينِ، فَلَمْ يَسْتَتِمَّ قَائِماً، فَلْيَجْلِسْ، فَإِذَا اسْتَتَمَّ قَائِماً فَلا يَجْلِسْ وَيَسْجُدْ سَجَدَتَي السَّهْوِ”. (رواه أبو داود وابن ماجه، بإسناد صحيح)
ب- أن يذكر التشهد بعد أن يعتدل قائماً وقبل الشروع في القراءة، فيكره له الرجوع للتشهد؛ لحديث المغيرة السابق.
ج- أن يذكر التشهد بعد اكتمال قيامه والشروع في القراءة، فلا يجوز له الرجوع للتشهد؛ لحديث المغيرة السابق، ولأنه شرع في ركن، فلا يجوز له تركه من أجل فعل واجب.
– وفي جميع الحالات السابقة يترتب على المصلي سجود للسهو.
– إذا ترك الإمام التشهد الأول ناسياً، يلزم المأموم متابعة إمامه في القيام؛ لقول النبي (صلى الله عليه وسلم): “إِنَّما جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ”. (رواه البخاري ومسلم)، ولحديث عبد الله بن بحينة (أَنَّ النَّبِيَّ (صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) صَلَّى بِهِمُ الظُّهْرَ، فَقَامَ الرَّكْعَتَينِ الأُولَيَينِ وَلَم يَجْلِسْ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ ثُمَّ سَلَّمَ”. (رواه البخاري)
ثامناً: الشك في الصلاة
من موجبات سجود السهو في الصلاة حصول الشك في الصلاة، وهو أن يتردد المصلي بين أمرين في صلاته؛ كأن يشك في ركن هل أتى به أو لا، أو يشك في عدد ما صلى من الركعات وهو في الصلاة.
– والشك في الصلاة منه ما هو معتبر ومنه ما لا يلتفت إليه.
1- أما الشك الذي لا يلتفت إليه، فله ثلاثة أحوال:
أ- إذا كان بعد الانتهاء من الصلاة، إلا إذا تقين الزيادة أو النقصان.
ب- إذا كان الشك مما يتوهمه المصلي أو طرأ على ذهنه؛ فلا عبرة فيه لأنه من الوسواس.
ج- إذا أكثر المصلي من الشك حتى صار لا يفعل شيئاً إلا شك فيه؛ فهذا لا عبرة فيه لأنه مرض وعلّة.
2- أما الشك المعتبر في الصلاة؛ فلا يخلو من أحد حالين:
أ- أن يترجَّح عند المصلي أحد الأمرين، فيعمل بما ترجح عنده ويتم صلاته بناء عليه؛ لقول النبي (صلى الله عليه وسلم): “فَلْيَتَحَرَّ الصَّوَابَ، فَلْيُتِمَّ عَلَيْهِ ثُمَّ لِيُسَلِّمْ ثُمَّ يَسْجُدْ سَجْدَتَينِ”. (متفق عليه)
ب- أن لا يترجَّح عند المصلي أحد الأمرين، فيعمل باليقين ويبني على الأقل أو عدم الإتيان بالفعل، ويتم صلاته بناء عليه، ثم يسجد للسهو قبل أن يسلم ثم يسلم.
________________________________
المصدر: دار الإفتاء بوزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت.