الكاتب: صالح بن علي أبو عرَّاد
يا رواد بيوت الله في الأرض.
• يا من أعد الله لكم نُزلاً في الجنة.
• يا من تولون وجوهكم شطر المسجد الحرام في صلواتكم.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإن الله سبحانه قد رفع منزلة المساجد في الأرض، وعظَّمها بأن نسبها إليه سبحانه، فليست لأحد سواه. قال عز من قائل: “وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً” (سورة الجـن- الآية 18). فكان علينا جميعًا أن نُعظِّمها وأن نحترمها وأن نقدسها، وأن نعرف لها حقها الذي جعلت من أجله، فلا نساويها بغيرها من البقاع، ولا نشبهها بسواها من الأماكن، فهي جزءٌ لا يتجزأ من مجتمعنا المسلم الذي أذن الله أن ترفع فيه، وأن تكون بقاعاً طاهرة نقية تتنـزل فيها الرحمات، وتهبط الملائكة، وتحل السكينة والخشوع.
ولأن للمسلم علاقةٌ حميمةٌ وصلةٌ وثيقةٌ بهذه المساجد في كل وقتٍ وحين، فقد رأيت أن أوجّه هذه الرسالة لرواد المساجد وعُمَّارها من عباد الله المؤمنين الصادقين، فأقول مستعيناً بالله وحده:
إن المساجد بيوت الله في الأرض، ولا يحل لأحد من الخلق أن يعمل فيها إلا بما أذن الله من قول أو عمل، فلا يمكن أن تكون المساجد لغير عبادة الله والدعوة إلى سبيله، وإقامة شعائر الإيمان، وحفظ كتاب الله العظيم وتلاوته وتجويده، ومدارسة سنته (صلى الله عليه وسلم)، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ورفع ذكر الله سبحانه في كل حين كما قال تعالى: “فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ. رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأبْصَارُ” (سورة النور- الآية 37).
فيا من وصفكم الله بعُمّار المساجد احرصوا بارك الله فيكم على عمارتها الحقة، والعمل على إحياء رسالتها الخالدة، وإعادة دورها العظيم في حياة الأمة.
يا من وصفكم الله عز وجل بأنكم رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة، تذكروا أن كثرة ارتيادكم لبيوت الله تعني إغاظة أعداء الله وإرهابهم وجعلهم يعيشون في قلق وهم دائمين، وعلى رأسهم إبليس (لعنة الله عليه) وجنوده وأعوانه من شياطين الجن والإنس الذين يؤلمهم ويؤرقهم ويزعجهم أن يرتاد المسلمون بيوت الله، لا سيما الشباب الذين هم عماد الأمة وأملها ورجال مستقبلها.
يا من تُحافظون على الصلوات الخمس جماعةً في المسجد، اعلمواـ بارك الله فيكم. أن أداء الصلاة جماعة في المساجد من أفضل الأعمال التي حثت عليها سنة نبينا محمدٍ (صلى الله عليه وسلم) ورغبت فيها كثيراً؛ فعن ابن عمر (رضي الله عنهما) عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: “صلاة الرجل في الجماعة تزيد على صلاته وحده سبعاً وعشرين” (رواه مسلم).
واعلم أن أداء الصلاة في المساجد لا يُعطل مسيرة الحياة، ولا يعوق النشاط الدنيوي للمسلم، ولا يؤخره عن أعماله وارتباطاته، لأن الصلوات -في حقيقة الأمر- ليست سوى محطاتٍ إيمانيةٍ يتزود فيها المسلم بالطاقة الروحية اللازمة للسعي في الحياة، تلك الطاقة الإيمانية التي تصله بربه جل وعلا، وتجدد نشاطه باستمرار، وتدفعه إلى الأمام، وتعينه على التحمل والمثابرة والمصابرة في مشوار حياته. كما أن لأداء الصلاة في المساجد معاني عظيمة وآثاراً طيبة في تربية أبناء المجتمع المسلم ونهيهم عن فاحش القول ومنكر العمل تصديقاً لقوله سبحانه: “إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَـى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْـرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَـعُونَ” (سورة العنكبوت- الآية 45).
وليس هذا فحسب فإن للصلاة دوراً مهماً في بناء شخصية المسلم وتحديد معالمها، فهي كفيلةٌ. إن شاء الله. بصقل نفس المؤمن وإرهاف حسه وترقيق وجدانه، وربطه بخالقه العظيم جل وعلا، لما فيها من صلة بالله سبحانه، ومناجاة له وخشوع وخضوع يجعل المصلي متمثلاً لعظمة الله وقدرته سبحانه. ولذلك روي عن أنس (رضي الله عنه) أنه (صلى الله عليه وسلم) قال: “وجُعل قرة عيني في الصلاة” (رواه النسائي).
وهذا فيه تأكيدٌ على أن في الصلاة راحة نفسية للمسلم متى أداها بخشوعٍ وخضوع، وأنها تؤدي إلى السكينة و الطمأنينة وهدوء البال، وهو ما يشعر به المؤمن بعد أدائه الصلاة أداءً صحيحاً يربطه بخالقه العظيم ارتباط إيمانٍ واستسلامٍ وتعبد.
يا رواد المساجد في المجتمع المسلم، اعلموا أن المساجد ليست أماكن لأداء الصلاة فقط، ولكنها مراكز للتعليم والتوجيه, ومؤسسات للتربية والتنشئة، ومعاهد للفقه الشرعي، والبحث العلمي عن طريق ما يعقد فيها من دروس ومحاضرات وندوات، وما يلقى على منابرها من خطب ومواعظ ونصائح في مختلف جوانب الحياة الفردية والجماعية. واعلمواـ بارك الله فيكم. أنه ما لم تكن تلك وظيفة المساجد ورسالتها الخالدة ومهمتها العظمى فإنها ستظل معطلة، ولن تؤتي ثمارها الطيبة المباركة التي وجدت من أجلها. يقول أحد دعاة الإسلام: “من أراد أن ينظر وأن يتعرف على حقيقة مدينة من المدن، أو قرية من القرى، فلينظر إلى مساجدها، ولير ما مقدار اهتمام الناس بهذه المساجد؟ وما هي علاقتهم بها؟ حينها يحكم على هذا الجيل أو هذه الطائفة من الناس ومدى رقيهم الحضاري الإسلامي”، من هنا كانت المساجد في تاريخنا الإسلامي المجيد قلاعاً للإيمان، وحصوناً للفضيلة، وبيوتاً للأتقياء، وينابيع للصلاح، وموارد للخير، ومجامع الأمة، ومواضع الأئمة.
يا عباد الله الصادقين، حافظوا على تحية المسجد التي تميزه عن غيره من الأماكن و البقاع. فهي تختلف عن غيرها من أنواع التحايا المتبادلة عند الدخول إلى المنازل أو المكاتب أو نحوها من المرافق والأماكن بأنها تحية مميزة لمكان مميز وبقعة طاهرة فكان لابد لها من أداء خاص يليق بمنزلتها عند المسلم، ولذلك فقد روي عن أبي قتادة (رضي الله عنه) أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: “إذا دخل أحدُكم المسجد فلا يجلس حتَّى يُصلي ركعتين” (رواه البخاري).
وليس هذا فحسب، بل لقد حرص الرسول (صلى الله عليه وسلم) على أدائها، وأمر بذلك حتى في أثناء أداء خطبة الجمعة حيث روي عن جابر بن عبد الله (رضي الله عنهما) قال: جاء سُليك الغطفاني يوم الجمعة، ورسول الله (صلى الله عليه وسلم) يخْطُب، فجلس، فقال له: “يا سُليك! قم فاركع ركعتين ، وتجوَّز فيهما”، ثم قال: “إذا جاء أحدكم يوم الجمعة والإمام يخطُب فليركع ركعتين، وليتجوز فيهما” (رواه مسلم).
فكم هو عظيم وجليل وجميل أن يفتتح المسلم دخوله إلى بيت من بيوت الله في الأرض بركعتين يُعلِنُ بهما السمع والطاعة، والخشوع والخضوع لله جل وعلا!! إضافةً إلى أن في هاتين الركعتين قطعاَ للحديث بين المصلين، وانتظاراً للصلاة في خشوعٍ ووقارٍ وسكينة.
________________
المصدر: صيد الفوائد