صفة الأذان والإقامة:
الأذان الذي استمر عليه بلال بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وسلم) هو ما ثبت من حديث عبد الله بن زيد بن عبد ربه، وصفته: “الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدًا رسولُ الله، أشهد أن محمدًا رسولُ الله، حيَّ على الصلاة، حيَّ على الصلاة، حيَّ على الفلاح، حيَّ على الفلاح، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله.”، والإقامة في هذا الحديث: “الله أكبر، الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدًا رسولُ الله، حيَّ على الصلاة، حيَّ على الفلاح، قد قامت الصلاةُ، قد قامت الصلاة، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله” (رواه أحمد وأبو داوود).
ويقول في أذان الفجر بعد حي على الفلاح: “الصلاةُ خيرٌ مِنَ النوم، الصلاةُ خيرٌ من النوم” (رواه النسائي)؛ ولحديث أنس (رضي الله عنه) قال: “من السنة إذا قال المؤذن في الفجر: حيّ على الفلاح، قال: الصلاة خير من النوم” ( رواه ابن خزيمة).
فيكون أذان بلال بحضرة النبي (صلى الله عليه وسلم) خمس عشرة جملة، والإقامة إحدى عشرة جملة، ومما يؤكد ذلك حديث أنس (رضي الله عنه) قال: “أُمِرَ بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة، إلا الإقامة” (رواه البخاري ومسلم)، والمعنى يأتي بالأذان مثنى مثنى، أو أربعًا أربعًا، فالكل يصدق عليه أنه شفع، وهذا إجمال بينه حديث عبد الله بن زيد، وحديث أبي محذورة، فشفع التكبير في أوله أن يأتي به أربعًا أربعًا، وشفع غيره أن يأتي به مرتين مرتين، وهذا بالنظر إلى الأغلب، وإلا فإن كلمة التوحيد في آخر الأذان، وفي آخر الإقامة مفردة بالاتفاق، والتكبير في الإقامة وتر بالنسبة إلى التكبير الرباعي في الأذان، وكذلك يكرر التكبير في آخر الإقامة، ويكرر لفظ الإقامة وتفرد بقية الألفاظ (فتح الباري لابن حجر، 2/ 83، وسبل السلام للصنعاني 2/ 65). وإن أذن وأقام بما في حديث أبي محذورة فلا بأس.
آداب المؤذن:
ويكون المؤذن متطهرًا، ويتمهل في ألفاظ الأذان، ويسرع في الإقامة، ويكون ذلك جزمًا، ويؤذن على موضعٍ عالٍ، قائمًا، مستقبل القبلة؛ لفعل بلال (رضي الله عنه)، ويجعل أصبعيه في أذنيه؛ لحديث أبي جحيفة (رضي الله عنه)، قال: “رأيت بلالاً يؤذن، أتتبع فاه، هاهنا وهاهنا، وإصبعاه في أذنيه.” (رواه أحمد والترمذي)
ويلوي عنقه فيلتفت يمينًا لحيَّ على الصلاة، وشمالاً لحيَّ على الفلاح؛ لحديث أبي جحيفة (رضي الله عنه) قال: “رأيت بلالاً خرج إلى الأبطح فأذَّنَ، فلما بلغ حيَّ على الصلاة حيَّ على الفلاح لوى عُنُقه يمينًا وشمالاً ولم يستدر” (رواه أبو داوود).
ويؤذِّن في أول الوقت؛ لقول جابر بن سمرة (رضي الله عنه): “كان بلال لا يؤخر الأذان عن الوقت، وربما أخَّر الإقامة شيئًا” (رواه أحمد وابن ماجه)،
ومن السنة أن يكون المؤذن قويّ الصوت؛ لحديث عبد الله بن زيد (رضي الله عنه) يرفعه: “فقمْ مع بلالٍ فألقِ عليه ما رأيتَ فليؤذِّن به؛ فإنه أندى صوتًا منك” (رواه أبو داوود وابن ماجه).
ويستحب أن يكون صوت المؤذن حسنًا؛ لحديث أبي محذورة (رضي الله عنه): أن النبي (صلى الله عليه وسلم) أعجبَه صوتُهُ، فعلَّمَهُ الأذان” (رواه ابن خزيمة).
والأفضل أن يكون عالمًا بالوقت بنفسه؛ ليتمكن من الأذان في أوَّل الوقت؛ ولأنه قد يتعذّر عليه من يخبره بالوقت، ولكن لا حرج في أذان الأعمى إذا كان له من يخبره بدخول الوقت؛ لأن ابن أمِّ مكتوم (رضي الله عنه) كان رجلاً أعمى لا يؤذن حتى يقال: “أصبحت أصبحت” ( رواه البخاري ومسلم).
ويجب أن يكون المؤذن أمينًا؛ لقوله تعالى: “إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ” (سورة القصص– الآية 26)؛ ولحديث ابن أبي محذورة عن أبيه عن جده: “أُمناءُ المسلمين على صلاتهم وسحورهم: المؤذنون” (رواه البيقهي وحسنه الألباني)؛ ولحديث أبي هريرة (رضي الله عنه) يرفعه: “والمؤذن مؤتمن” (رواه أبو داوود والترمذي).
وينبغي للمؤذن أن يبتغي بأذانه وجه الله تعالى؛ لحديث عثمان بن أبي العاص (رضي الله عنه) قال: يا رسول الله، اجعلني إمام قومي، فقال: “أنت إمامُهُم واقتدِ بأضعفهم، واتَّخِذ مؤذنًا لا يأخذ على أذانه أجرًا” (رواه أبو داوود والنسائي).
وأما إعطاء المؤذن من بيت مال المسلمين فلا حرج فيه؛ لأن بيت المال إنما وضع لمصالح المسلمين، والأذان والإقامة من مصالح المسلمين (المغني لابن قدامة، 2/ 70، ونيل الأوطار للشوكاني، 2/ 132، والشرح الممتع لابن عثيمين، 2/ 44).
__________________________________
المصدر: كتاب الأذان والإقامة للشيخ سعيد بن وهف القحطاني.