كيف يكون الإقبال في كل جزء من أجزاء الصلاة؟

فإذا انتصب العبد قائماً بين يديه، فإقباله على قيُّومية الله وعظمته فلا يتفلت يمنة ولا يسرة.

وإذا كبَّر الله تعالى كان إقباله على كبريائه وإجلاله وعظمته.

وكان إقباله على الله في استفتاحه على تسبيحه والثناء عليه وعلى سُبحات وجهه، وتنزيهه عمَّا لا يليق به، ويثني عليه بأوصافه وكماله.

كيف يكون الإقبال في كل جزء من أجزاء الصلاة

كيف يكون الإقبال في كل جزء من أجزاء الصلاة؟

فإذا استعاذ بالله من الشيطان الرجيم، كان إقباله على ركنه الشديد، وسلطانه وانتصاره لعبده، ومنعه له منه وحفظه من عدوه.

وإذا تلى كلامه كان إقباله على معرفته في كلامه كأنه يراه ويشاهده في كلامه كما قال بعض السلف: لقد تجلّي الله لعباده في كلامه.

والناس في ذلك على أقسام ولهم في ذلك مشارب، وأذواق فمنهم البصير، والأعور، والأعمى، والأصم، والأعمش، وغير ذلك، في حال التلاوة والصلاة، فهو في هذه الحال ينبغي له أن يكون مقبلاً على ذاته وصفاته وأفعاله وأمره ونهيه وأحكامه وأسمائه.

وإذا ركع كان إقباله على عظمة ربه، وإجلاله وعزه وكبرسائه، ولهذا شرع له في ركوعه أن يقول: ” سبحان ربي العظيم “.

فإذا رفع رأسه من الركوع كان إقباله على حمد ربه والثناء عليه وتمجيده وعبوديته له وتفرده بالعطاء والمنع.

فإذا سجد، كان إقباله على قربه، والدنو منه، والخضوع له والتذلل له، والافتقار إليه والانكسار بين يديه، والتملق له.

فإذا رفع رأسه من السجود جثى على ركبتيه، وكان إقباله على غنائه وجوده، وكرمه وشدة حاجته إليهنّ، وتضرعه بين يديه والانكسار؛ أن يغفر له ويرحمه، ويعافيه ويهديه ويرزقه.

فإذا جلس في التشهد فله حال آخر، وإقبال آخر يشبه حال الحاج في طواف الوداع، واستشعر قلبه الانصراف من بين يدي ربه إلى أشغال الدنيا والعلائق والشواغل التي قطعه عنها الوقوف بين يدي ربه وقد ذاق قلبه التألم والعذاب بها قبل دخوله في الصلاة، فباشر قلبه روح القرب، ونعيم الإقبال على الله تعالى، وعافيته منها وانقطاعها عنه مدة الصلاة، ثم استشعر قلبه عوده إليها بخروجه من حمى الصلاة، فهو يحمل همَّ انقضاء الصلاة وفراغه منها ويقول: ليتها اتصلت بيوم اللقاء.

ويعلم أنه ينصرف من مناجاة مَن كلّ السعادة في مناجاته، إلى مناجاة من كان الأذى والهم والغم والنكد في مناجاته، ولا يشعر بهذا وهذا إلا من قلبه حي معمور بذكر الله ومحبته، والأنس به، ومن هو عالم بما في مناجاة الخلق ورؤيتهم، ومخالطتهم من الأذى والنكد، وضيق الصدر وظلمة القلب، وفوات الحسنات، واكتساب السيئات، وتشتيت الذهن عن مناجاة الله تعالى عز وجل.

_______________________________

المصدر: كتاب أسرار الصلاة لابن القيم. 

مواضيع ذات صلة