فوائد إجابة المؤذن بالقول كثيرة لا تحصر، ولكن منها الفوائد الآتية:
1 – قوله (صلى الله عليه وسلم): “إذا سمعتم النداء فقولوا مثل ما يقول المؤذن.”، قال الحافظ ابن حجر (رحمه الله) قوله: “ما يقول” قال الكرماني: قال: “ما يقول” ولم يقل مثل ما قال؛ ليشعر بأنه يجيبه بعد كل كلمة، مثل كلمتها”، ثم قال: “قلت والصريح في ذلك ما رواه النسائي من حديث أم حبيبة: أنه (صلى الله عليه وسلم) كان يقول كما يقول المؤذن حتى يسكت.” (رواه أحمد وابن ماجه) “فلو لم يجاوبه حتى فرغ استحب له التدارك إن لم يطل الفصل.”
2 – ما دل عليهّ حديث عمر بن الخطاب (رضي الله عنه)، وفيه:|”… ثم قال: “حي على الصلاة قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قال: حي على الفلاح، قال: لا حول ولا قوة إلا بالله” (رواه مسلم)، وحديث عثمان، وفيه أنه لما قال المؤذن: حي على الصلاة، قال عثمان (رضي الله عنه): لا حول ولا قوة إلا بالله، وقال: هكذا سمعنا نبيكم (صلى الله عليه وسلم) يقول.” (رواه البخاري)، وهذان الحديثان يدلان على أنه يستثنى من القول مثل ما يقول المؤذن: “حيّ على الصلاة، وحيّ على الفلاح”، فيقول بدلهما: “لا حول ولا قوة إلا بالله” (فتح الباري، لابن حجر، 2/ 91)، قال الإمام النووي (رحمه الله): “حديث أبي سعيد: “إذا سمعتم النداء فقولوا مثل ما يقول المؤذن.” عام مخصوص؛ لحديث عمر: أنه يقول في الحيعلتين: “لا حول ولا قوة إلا بالله.” (شرح النووي على صحيح مسلم، 4/ 329)
قال الإمام ابن الملقن رحمه الله: “والمناسبة في جواب الحيعلة بالحوقلة: أن الحيعلة دعاء، فلو قالها السامع لكان الناس كلهم دعاة، فمن يبقى المجيب؟ فحسن من السامع الحوقلة؛ لأنها تفويض محض إلى الله (سبحانه وتعالى). (الإعلام بفوائد عمدة الأحكام، لابن الملقن، 2/ 471)
3 – دل حديث عمر بن الخطاب (رضي الله عنه): أن المشروع للمسلم أن يقول بعد تشهد المؤذن مثل قول المؤذن: فإذا قال المؤذن: “أشهد أن لا إله إلا الله”؛ فإن المتابع للمؤذن يقول: “أشهد أن لا إله إلا الله” يكررها مرتين مثل قول المؤذن، فإذا قال: “أشهد أن محمداً رسول الله” قال المجيب: “أشهد أن محمداً رسول الله” يكررها مرتين مثل قول المؤذن”. (رواه مسلم)
ودلّ حديث سعد بن أبي وقاص (رضي الله عنه): أن مجيب المؤذن يقول بعد انتهائه من إجابة المؤذن عند الشهادتين، يقول بعد ذلك: “وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، رضيت بالله رباً، وبمحمد رسولاً، وبالإسلام ديناً …” (رواه مسلم)
وقد ذُكِرَ موضع هذا الذكر، وأنه بعد الشهادتين: في رواية ابن خزيمة في صحيحه، وفيه: أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: “من سمع المؤذن يَتَشَهَّد … “، وفيه: “… فقال: “أشهد أن لا إله إلا الله …” الحديث، وهكذا سمعت شيخنا ابن باز رحمه الله يقرر أن قول هذا الذكر بعد انتهاء المؤذن من الشهادتين، وكذا رجحه العلامة محمد بن صالح العثيمين. (مجموع فتاوى ابن عثيمين، 12/ 194)
4 – ظاهر حديث جابر (رضي الله عنه): “من قال حين يسمع النداء: اللهمَّ ربَّ هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة، آت محمداً الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته حلّت له شفاعتي يوم القيامة.” (رواه البخاري): أنه يقول هذا الذكر حال سماع الأذان، ولا يتقيد بفراغه، ولكن قد بين المراد من حديث جابر، حديث عبد الله بن عمرو؛ فإنه قال فيه: “إذا سمعت المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا عليّ؛ فإنه من صلَّى عليّ صلاةً صلَّى الله عليه بها عشراً، ثم سلوا لي الوسيلة؛ فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة.” (رواه مسلم)
فدل هذا الحديث أن حديث جابر: “اللهم رب هذه الدعوة التامة …” يقال بعد الفراغ من الأذان بعد الصلاة على النبي (صلى الله عليه وسلم). قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: “وقد بين حديث عبد الله بن عمرو المراد، وأن الحين محمول على ما بعد الفراغ …” (فتح الباري، لابن حجر، 2/ 94، وشرح النووي، 4/ 329)
5 – إجابة المؤذن تدل على عظيم الرغبة في الفوز بالفلاح، فإن معنى: “حيَّ على الصلاة، حي على الفلاح” معنى عظيم، قال الإمام النووي (رحمه الله) تعالى: “ومعنى حيَّ على كذا: أي تعالوا إليه، والفلاح: الفوز، والنجاة، وإصابة الخير، قالوا: وليس في كلام العرب كلمة أجمع للخير من لفظة الفلاح … فمعنى حيَّ على الفلاح: أي تعالوا إلى سبب الفوز، والبقاء في الجنة، والخلود في النعيم …” (شرح النووي على صحيح مسلم، 4/ 328 – 329)
6 – إجابة المؤذن، بـ: “لا حول ولا قوة إلا بالله” فيها الالتجاء إلى الله تعالى، واعتماد القلب عليه، فلا حول ولا قوة للعبد إلا به سبحانه، قال الإمام النووي رحمه الله: قال أبو الهيثم: “الحول الحركة، أي لا حركة ولا استطاعة، إلا بمشيئة الله … وقيل: لا حول في دفع شر، ولا قوة في تحصيل خير إلا بالله، وقيل: لا حول عن معصيته إلا بعصمته، ولا قوة على طاعته إلا بمعونته، وحكى هذا عن ابن مسعود (رضي الله عنه).
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: “وقال الطيبي: معنى الحيعلتين: هلُمَّ بوجهك وسريرتك إلى الهدى عاجلاً، والفوز بالنعيم آجلاً، فناسب أن يقول هذا أمر عظيم لا أستطيع مع ضعفي القيام به إلا إذا وفقني الله بحوله وقوّته.” (فتح الباري، لابن حجر، 2/ 92)
7 – الوسيلة: المنزلة عند الملك، وهي منزلة للنبي (صلى الله عليه وسلم) في الجنة، من سألها للنبي (صلى الله عليه وسلم) حلت له الشفاعة، أي وجبت له، وقيل: نالته الشفاعة، والوسيلة: ما يتقرب به إلى الكبير، وتطلق على المنزلة العليَّة، ويقال: توسلت: تقربت، والواصل إلى تلك المنزلة قريب من الله، وهي عَلَمٌ على أعلى منزلة في الجنة، وهي منزلة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وداره، وهي أقرب أمكنة الجنة إلى عرش الرحمن (سبحانه وتعالى). (فتح الباري، لابن حجر، 2/ 95، والروض المربع، 1/ 457، وحاشية ابن قاسم على الروض المربع، 1/ 457)
8 – الأعمال يشترط لها القصد والإخلاص، لقوله (صلى الله عليه وسلم): “… ثم قال: لا إله إلا الله من قلبه دخل الجنة.” (شرح النووي على صحيح مسلم، 4/ 329)
9 – (الدعوة التامة):دعوة التوحيد، كقوله تعالى: “لَهُ دَعْوَةُ الْحَقّ…” (الرعد / الآية 14)، وقيل: لدعوة التوحيد تامة؛ لأن الشِّرْكَ نقصٌ، أو التامة: التي لا يدخلها تغيير ولا تبديل، بل هي باقية إلى يوم النشور، أو لأنها هي التي تستحق صفة التمام، وما سواها فمعرَّضٌ للفساد، وقال ابن التين: وصفت لأن فيها أتم القول: “لا إله إلا الله”، وقال الطيبي: من أوله [أي الأذان] إلى قوله: “محمد رسول الله” هي الدعوة التامة (فتح الباري، لابن حجر، 2/ 95)، وقيل: الدعوة التامة: هي الأذان، والتامة: أي الكاملة السالمة من كل نقص يتطرق إليها؛ لكمالها وعظم موقعها؛ لاشتمالها على تعظيم الله وتوحيده، والشهادة بالرسالة والدعوة إلى الخير.
10 – (الصلاة القائمة): الحيعلة: هي الصلاة القائمة في قوله: “يُقِيمُونَ الصَّلاةَ”، ويحتمل أن يكون المراد بالصلاة الدعاء، وبالقائمة: الدائمة، مِنْ قام على الشيء إذا داوم عليه، وعلى هذا فقوله: “والصلاة القائمة”: بيان للدعوة التامة، ويحتمل أن يكون المراد بالصلاة: الصلاة المعهودة المدعو إليها حينئذ، وهو أظهر. وقيل: الصلاة القائمة: التي ستقوم وتُفْعَل بصفاتها.
______________________________
المصدر: كتاب الأذان والإقامة للشيخ سعد بن وهف القحطاني.