بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وبعد
ذهب جمهور الفقهاء: الحنفية، والشافعية، والمالكية إلى جواز صلاة المنفرد خلف الصف مع الكراهة دون عذر، وتنتفي تلك الكراهة مع وجود العذر، واستدلوا على ذلك بحديث أبي بكرة (رضي الله عنه): أنه انتهى إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) وهو راكع، فركع قبل أن يصل إلى الصف، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: “زادك الله حرصاً ولا تعد”. (رواه البخاري)
وذهب الحنابلة إلى أنه تبطل صلاة من صلى وحده ركعة كاملة خلف الصف منفرداً دون عذر،ففي الحديث الشريف، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، وَحَفْصُ بْنُ عُمَرَ، قَالاَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ هِلاَلِ بْنِ يِسَافٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ رَاشِدٍ، عَنْ وَابِصَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَأَى رَجُلاً يُصَلِّي خَلْفَ الصَّفِّ وَحْدَهُ فَأَمَرَهُ أَنْ يُعِيدَ – قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ – الصَّلاَةَ.” (رواه أبو داود وصححه الألباني)
وفي فتوى للشيخ ابن عثيمين رحمه الله حول جواز صلاة المنفرد: “العلماء رحمهم الله اختلفوا لهذا النفي هل هو نفيٌ للكمال أو نفيٌ للصحة؟ فذهب الأئمة الثلاثة مالك والشافعي وأبو حنيفة إلى أن هذا نفيٌ للكمال وليس نفيٌ للصحة، وهو إحدى الروايتين عن الإمام أحمد رحمه الله، وعلى هذا فتكون المذاهب الثلاثة ونصف مذهب الإمام أحمد تدل على أن النفي هنا نفي كمال وليس نفي صحة؛ ولكن الصحيح أن النفي نفي صحة؛ لأن الأصل في النفي أن يكون نفياً للوجود، فإن كان، فإن تعذر حمله على نفي الوجود بأن كان الشيء موجوداً حمل على نفي الصحة الذي هو نفيٌ للوجود شرعاُ، فإن تعذر حمله على نفي الصحة بأن تكون الأدلة قد دلت على أن هذا الشيء لما يصح حمل على نفي الكمال، فالصحيح أن نفي الصلاة في قوله صلى الله عليه وسلم: لا صلاة لمنفردٍ خلف الصف. نفيٌ للصحة وإذا كان نفي الصحة دل على وجوب دخول الإنسان في الصف، وإن لم يفعل بطلت صلاته؛ ولكن الوجوب مشروطٌ بالقدرة والاستطاعة، وهنا لا يستطيع الإنسان أن يدخل في الصف؛ لأنه كامل تام، فيسقط عنه هذا الواجب، وإلى هذا القول المفصل الذي تؤيده الأدلة ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وشيخنا عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله. والقول الثاني في المسألة؛ أن صلاة المنفرد خلف الصف لا تصح، ولو لعذر. والقول الثالث؛ أن صلاة المنفرد خلف الصف تصح، ولو دون عذر، والغالب أنه إذا اختلف العلماء على أقوالٍ ثلاثة طرفين ووسط الغالب أن الوسط يكون هو الصواب؛ لأنه يأخذ من أدلة هؤلاء، ومن أدلة هؤلاء ويتكون من ذلك قولٌ مفصل وسطٌ بين هذا وهذا، وخلاصة الجواب أن من صلى خلف الصف منفرداً دون عذر وجبت عليه الإعادة، ومن صلى منفرداً خلف الصف؛ لعذر فإنه لا إعادة عليه؛ لأنه معذور وقد قال الله تعالى: ﴿فاتقوا الله ما استطعتم﴾ وقال: ﴿لايكلف الله نفساً إلا وسعها﴾.
ولمعرفة المزيد حول هذه المسألة، شاهدوا الفيديو التالي مع فضيلة الشيخ عثمان الخميس.