حكم أوقات النهي عن الصلاة من حيث الثبوت وعدمه:
أكثر أهل العلم ومنهم الأئمة الأربعة على ثبوت النهي عن الصلاة في بعض الأوقات، وقد حكى النووي الإجماع على ذلك. (شرح النووي على صحيح مسلم)
ومن هذه الأدلة ما يأتي:
1- عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: نهى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عن صلاتين، بعد الفجر حتى تطلع الشمس وبعد العصر حتى تغرب. (رواه البخاري ومسلم)
2- عن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال: “شهد عندي رجال مرضيون وأرضاهم عندي عمر، أن النبي – صلى الله عليه وسلم – نهى عن الصلاة بعد الصبح حتى تشرق الشمس وبعد العصر حتى تغرب”. (رواه البخاري ومسلم)
3- عن عطاء بن يزيد الجندعي أنه قال سمعت أبا سعيد الخدري – رضي الله عنه – يقول: سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: “لا صلاة بعد الصبح حتى ترتفع الشمس ولا صلاة بعد العصر حتى تغيب الشمس”. (رواه البخاري)
4- عن ابن عمر – رضي الله عنهما – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا تحروا بصلاتكم طلوع الشمس ولا غروبها” (رواه البخاري)
5- وعنه أيضا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إذا طلع حاجب الشمس فأخروا الصلاة حتى ترتفع وإذا غاب حاجب الشمس فأخروا الصلاة حتى تغيب.” (رواه البخاري)
6- عن عقبة بن عامر الجهني – رضي الله عنه – قال: ثلاث ساعات كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نصلي فيهن أو أن نقبر فيهن موتانا، حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل الشمس وحين تضئ! الشمس للغروب حتى تغرب”. (رواه مسلم)
حكى الحافظ ابن حجر عن طائفة من السلف إباحة التطوع في كل وقت حيث قال: “قال النووي أجمعت الأمة على كراهة صلاة لا سبب لها في الأوقات المنهي عنها واتفقوا على جواز الفرائض المؤداة فيها”.. إلى أن قال: “قلت: وما نقله من الإجماع والاتفاق متعقب، فقد حكى غيره الإباحة مطلقا وأن أحاديث النهي منسوخة، وبه قال داود وغيره من أهل الظاهر وبذلك جزم ابن حزم، وعن طائفة أخرى المنع مطلقا في جميع الصلوات”. (فتح الباري)
بالنظر في الأحاديث السابقة في حكم أوقات النهي يتبين أن هناك خمسة أوقات منهي عن الصلاة فيها، دل حديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه على ثلاثة منها هي: حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل الشمس وحين تضيف الشمس للغروب حتى تغرب، وزادت بقية الأحاديث وقتين هما بعد الفجر حتى تطلع الشمس وبعد العصر حتى تغرب الشمس.
اختلف العلماء في عدد هذه الأوقات (أوقات النهي) على أربعة أقوال:
القول الأول: أن الأوقات الخمسة كلها أوقات نهي وهي من بعد الفجر حتى تطلع الشمس، وعند طلوعها حتى ترتفع، وإذا استوت حتى تزول، وبعد العصر حتى تغرب الشمس، ومن حين تتضيف للغروب حتى تغرب.
وبه قال الحنفية، والحنابلة، وكذا الشافعية إلا أنهم استثنوا وقت الزوال يوم الجمعة، وروى الترخيص يوم الجمعة عن طاوس والحسن ومكحول والأوزاعي وسعيد بن عبد العزيز وإسحاق وأبي يوسف، واختار ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية.
ومن هؤلاء من جعل الأوقات الخمسة ثلاثة حيث جعل من بعد الفجر إلى ارتفاع الشمس قيد رمح وقت ومن بعد العصر حتى تغرب الشمس وقت، وهذا هو الذي حكاه ابن قدامة في المغني عن الإمام أحمد حيث قال: “اختلف أهل العلم في الأوقات المنهي عن الصلاة فيها فذهب أحمد رحمه الله تعالى إلى أنها من بعد الفجر حتى ترتفع الشمس قدر رمح وبعد العصر حتى تغرب الشمس وحال قيام الشمس حتى تزول، وعدها أصحابه خمسة أوقات من الفجر إلى طلوع الشمس وقت ومن طلوعها إلى ارتفاعها وقت وحال قيامها وقت ومن العصر إلى شروع الشمس في الغروب وقت وإلى تكامل الغروب وقت”. (المغني)
القول الثاني: أن الأوقات المنهي عن الصلاة فيها أربعة، وهي الأوقات التي ذكرها أصحاب القول الأول عدا وقت الزوال مطلقا أي بدون فرق بين يوم الجمعة وغيره، وبه قال المالكية. (الكافي)
القول الثالث: أنها أربعة أيضا وهي المذكورة في القول الأول كذلك، عدا بعد العصر وبه قال بعض العلماء. (ابن عبد البر)
الترجيح:
من دراسة الأقوال في المسألة وأدلتها يتبين أن الراجح والله أعلم القول الأول وهو أن الأوقات الخمسة كلها أوقات نهى لدلالة الأحاديث الصحيحة على ذلك، ويمكن جعلها ثلاثة لأن حال الطلوع إلى الارتفاع متصل بما بعد الفجر وحين تتضيف الشمس للغروب داخل في النهى بعد العصر إلى الغروب، فلعل الذين جعلوها خمسة نظروا إلى الأحاديث حيث ذكرتها كذلك.
__________________________
المصدر: كتاب تحقيق المقام فيما يتعلق بأوقات النهي عن الصلاة.