أحوال الصائمين مع الصلاة في رمضان
للصّائمين في هذا الشهر المبارك مع الصلاة أحوالٌ تستحقُّ أن يُوجّه تلقاءها البصر، ليكون المسلمُ منها على حذرٍ من التّردّي في هُوّة سحيقة، بل ليرقَى بنفسه ويتطلّع إلى بلوغ أعلى درجات القرب من الله سبحانه وتعالى، فلينظر المسلم في هذه الأحوال، ويتبصّر في العاقبة والمآل، عسى أن يُعتق نفسه من أسر الهوى والشهوات والشبهات، ويتوجّه إلى ربّه بوجهه وقلبه، في هذا الشهر الكريم، عسى أن يكون من الفائزين.
فلنستطلع في هذه الأحوال:
أولاً:
حال أولئك الصنف الذين يصومون، بيد أنّهم لا يُصلّون لا في هذا الشهر الكريم، ولا في غيره من الشهور!
فنقول لهم: أي صوم هذا الذي ترتجون ثوابه وأجره؟ أما تعلمون أن الصلاة هي عمود الدين وآكد وأهمُّ أركان الإسلام بعد الشَّهادتين، أما علمتم أن من تركها عمدًا جاحدًا لوجوبها فقد كفر بإجماع المسلمين، ومن تركها تهاوناً وكسلاً فقد كفر على القول الصحيح، والرسول – صلى الله عليه وسلم- يقول: “بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة.” ولا يخفاك أن الكافر لا يُقبل منه صيام ولا غيره.
ثانيًا:
حالُ من يصوم رمضانَ، بيد أنّه لا يُصلِّي إلا فيه!
أما هذا فقد أغضب ربه وخادعه! وهذا حريٌّ أن يكون عبدًا لرمضان لا لرب رمضان!! وكما قيل فيه وفي شاكلته “بئس القوم لا يعرفون الله إلا في رمضان” وحكمهم حكم الصنف الأول أعلاه.
ثالثًا:
حال من يصوم رمضان ولا يعرف الصلاةَ ولا الجماعةَ طيلة أيام العام، إلا صلاة الجمعة، وصلاة المغرب في رمضان!
وهذا إن لم يتب من جرمه فأمره عظيم، وخطره وبيل ومرده إلى ويل، قال الله تعالى: “فويلٌ للمصلين. الَّذين هم عن صلاتهم ساهون” (الماعون: 4 – 5) فهذا المبخوس بعد أن استفاق من نومه على صوت المؤذن أو بالأصح على وقت الإفطار والتهم ألوان الأطعمة والأشربة، ساقته قدماه -حسب العادة- إلى المسجد ومن المعتاد أن تجد المسجد في صلاة المغرب في رمضان مزدحمًا وربما يضيق بالمصلين- أما سائر الفروض فهو لا يصليها، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وهذا إن كان ممن أضاف إلى ترك الجماعة ترك الصلاة بالكلية فهو على خطر عظيم نسأل الله العافية.
رابعًا:
حال من يصوم رمضان ويُصلّي صلوات الفجر والظهر والعصر في بيته، وربما يضيّع أوقاتهن!
فمن الناس من يقضي ليل هذا الشهر المبارك وأوقاته الفاضلة في المعاصي ما بين سهرٍ على منكرات، ومجالس آثام ومعاصٍ، لا تُعدُّ ولا تحصى، فهؤلاء ضيعوا ليلهم في غضب الله، واستخدموا نعمه الظاهرة والباطنة فيما يسخطه عليهم، ويبعدهم عن رضوانه.
ولا يخفى أن من ترك الصلاة المفروضة حتى يخرج وقتُها دونما عذر شرعي صحيح، لا تبرأ ذمته ولو أعاد الصلاة ألف مرة، إذ إنَّ كلَّ عبادةٍ لها وقت معلوم لا تصح إلا فيه، ومن تعمد ترك الصلاة بسهر في معصية؛ فقد أتى كبيرة من أعظم الكبائر.
خامسًا:
من يصوم رمضان ويُصلّي صلواته جماعةً في المسجد، إلا صلاة الفجر، وربما يصليها في رمضان إن كان مستيقظاً!
ابتُلي عدد من الناس بالتخلف عن صلاة الفجر جماعة، بل ربما عن صلاتها في وقتها-وقد تجد من أهل المساجد من نسي أو تناسى أن هناك صلاة خامسة تُدعى (صلاة الفجر)- إذ دأبهم طيلة العام السهر إلى ساعات متأخرة من الليل، فتجد أحدهم تاركاً لهذه الفريضة إمَّا عمداً أو لعدم المبالاة بها، وفي الوقت نفسه تجده شديد العناية بضبط منبه الوقت على ساعة الدراسة أو العمل!!، ولكن في رمضان قد يصليها لا لكونه مهتماً بها لكن لدخولها في وقت صحوه ويقظته!!، ولهؤلاء نقول تذكروا أن “أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر .. ” هذا هو حكم رسولك صلى الله عليه وسلم، وهل تعلم يا أخي عقوبة المنافق!؟
سادسًا:
من يصوم رمضان ولكنه لا يعرف الطريق إلى المسجد والجماعة، لا في رمضان ولا في غيره!
فهذه فئةٌ محرومةٌ من الخير، ومن تفيؤ ظلال بيوت الله التي هي خير البقاع على وجه الأرض، نسأل الله لنا ولهم الهداية، فهم لا يعرفون المساجد ولا الجماعة، حتى في هذا الشهر المبارك حيث تتنزل البركات، وتصبو القلوب إلى خالقها، فمن باب أولى أنهم لا يؤمنوا بما سواه.
روى مسلم في صحيحه عن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: “ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا المنافق معلوم النفاق. “وهل يحرص من يتوانى ويتكاسل عن قصد بيت الله على أن يُقيمها في بيته، في وقتها؟!
سابعاً:
من يصوم رمضان وينشط في أوله بالصلاة، في وقتها، في المسجد، إلا أنه يكسل بعد مضي أيام منه، لا سيما الأيام الفاضلة في آخره”. إن المسلم الكيس الفطن يبذل قصارى جهده ليغتنم الفرص ومواسم الخير، فالعمر قصير، والذنب كثير والخطب كبير، فرمضانُ موسم جدٍّ وعمل، لا نوم وكسل، ولكن من اختلطت عليه مشاربُ الحياة ومداخلها تجده في أول الأمر حريصاً على الخير وطرقه، ولكن ما أن يسلكه إلا وتدخل عليه الحياة ومشاغلها، فتجده تضعف همته وتخور عزائمه. وإن من الخسارة أن يكون ذلك التفريط في آخر الشهر المبارك، حيث الأيام والليالي الفاضلة التي لا يعد لها في السنة مثيل، وكفى بلية القدر فضلاً وشرفاً.
ثامنًا:
من يصوم رمضان ويحرص على صلاة التراويح جماعةً، وتجده في الوقت نفسه يتخلف ويفرط في الصلوات المفروضة!
فممَّا لا شكَّ فيه أن الفرائض مقدمة على النفل، وأن الواجب مقدم على المستحب، فما عساه أن يُسمى هذا الذي يفرط في الصلوات المكتوبة، إما بالنوم وإما بالانشغال بما لا يتفق مع هذا الشهر المبارك، وفي الوقت نفسه تجده أحرص ما يكون على صلاة التراويح، فهذا قد ظلم نفسه وحرمها مما أوجب عليه، واهتم بالطاعات التي هي من باب النفل والزيادة.
تاسعًا:
من يصوم رمضان ويصلي مع جماعة المسلمين، إلا أنه لا يحرص على إدراك تكبيرة الإحرام مع الإمام، وربما تفوته الجماعة وإضافة إلى ذلك فهو مُضيَّع للسنن القبلية والبعدية!
وهذا مما ابتُلي به الكثير من الشباب، بل ومَن يُعدون من أهل الخير، إذ لا تراهم إلا في الصفوف الأخيرة يقضون صلاتهم. فإلى هؤلاء جميعًا نقول: ألا تريدون أن تكونوا ممن قال فيهم النبي – صلى الله عليه وسلم- : “من صلى لله أربعين يومًا في جماعة يدرك التكبيرة الأولى كُتب له براءتان: براءة من النار، وبراءة من النفاق.” (حديث حسن) ولا ننسى قول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: “خيرُ صفوف الرجال أولها وشرها آخرها” (رواه مسلم).
عاشرًا:
من يصوم رمضان، ويحافظ على الصلوات جماعة في المسجد، ويكون رمضان دافعاً له على تقوية إيمانه وزيادته!
فهذه الطائفة الموفَّقة هم من عُمَّار المساجد، ولرمضان في حياتهم الإيمانية أكبر الأثر، إذ تجد أحدهم في هذا الشهر المبارك حريصًا على المبادرة إلى المساجد عند سماع النّداء أو قبيله، محافظًا على الصفوف الأولى، فهؤلاء نقول لهم، احمدوا الله واشكروه، واسألوه من فضله وتعرضوا لنفحات مولاكم، وادعوه بالثبات على ذلك في رمضان وغير رمضان، وإياكم من نقض الغزل بعد القوة!!
حادي عشر:
من يصوم رمضان ويصوم الأيام المسنون صومها، ويجتهدُ في الطاعات والقرب ما كان منها واجباً أو نفلاً، وللصلاة في حياته النصيب الأكبر!
فهؤلاء نسأل الله أن يجعلنا منهم، فهم في جنة غناء وارفة الظلال، وهذا هو شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله تعالى- يصور هذه الجنة بقوله: “إن في الدنيا جنةً من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة.” ورغم ذلك نجد أحدهم يعمل العمل ويخشى ألا يُقبل منه، فماذا عسى أن يقول مَن جمع إلى الإساءة والذنب الأمنَ من عقاب رب العالمين وتعلق بنصوص الوعد والمغفرة والرحمة وأهمل وتناسى ما ورد في نصوص العقاب من أمور عظيمة وأهوال جسيمة يذوب القلب لسماعها- نسأل الله العافية-.
وفي آخر المطاف هذه دعوة من رب كريم رحيم طالما بادرناه بالذنوب والمعاصي وهو سبحانه يتودد إلينا بالنعم والرحمات: “قُل يا عباديَ الَّذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رَّحمة الله إن الله يغفر الذُّنوب جميعاً.” (الزمر: 53)، نعم إنه يغفر الذنوب كلها صغيرها وكبيرها “إنَّه هُوَ الْغفور الرَّحيم” ولكن هناك أمرًا لا بد من تحقيقه ألا وهو “وأنيبوا إلى ربِّكم وأسْلِمُوا له” (الزمر: 54).
___________________
المصدر: almuslim.net