تعرفنا في الجزء الأول على بعض من صفات صلاة النبي صلى الله عليه وسلم كما ورد في السنة الصحيحة.
10 – يرفع رأسه مكبرا، ويفرش قدمه اليسرى ويجلس عليها، وينصب رجله اليمنى، ويضع يديه على فخذيه وركبتيه، ويقول: (رب اغفر لي، رب اغفر لي، اللهم اغفر لي، وارحمني، وارزقني، وعافني، واهدني، واجبرني) ويطمئن في هذا الجلوس حتى يرجع كل فقار إلى مكانه، كاعتداله بعد الركوع؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يطيل اعتداله بعد الركوع، وبين السجدتين.
11 – يسجد السجدة الثانية مكبرا، ويفعل فيها كما فعل في السجدة الأولى.
12 – يرفع رأسه مكبرا، ويجلس جلسة خفيفة مثل جلوسه بين السجدتين، وتسمى جلسة الاستراحة، وهي مستحبة في أصح قولي العلماء، وإن تركها فلا حرج، وليس فيها ذكر ولا دعاء، ثم ينهض قائما إلى الركعة الثانية معتمدا على ركبتيه إن تيسر ذلك، وإن شق عليه اعتمد على الأرض، ثم يقرأ الفاتحة وما تيسر له من القرآن بعد الفاتحة، كما سبق في الركعة الأولى، ثم يفعل كما فعل في الركعة الأولى.
ولا يجوز للمأموم مسابقة إمامه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم حذر أمته من ذلك، وتكره موافقته للإمام، والسنة له أن تكون أفعاله بعد إمامه من دون تراخ وبعد انقطاع صوته؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: “إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه، فإذا كبر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا ولك الحمد وإذا سجد فاسجدوا”. (متفق عليه)
13 – إذا كانت الصلاة ثنائية، أي: ركعتين كصلاة الفجر والجمعة والعيد، جلس بعد رفعه من السجدة الثانية ناصبا رجله اليمنى، مفترشا رجله اليسرى، واضعا يده اليمنى على فخذه اليمنى، قابضا أصابعه كلها إلا السبابة، فيشير بها إلى التوحيد عند ذكره سبحانه وعند الدعاء، وإن قبض الخنصر والبنصر من يده اليمنى وحلق إبهامها مع الوسطى وأشار بالسبابة فحسن؛ لثبوت الصفتين عن النبي صلى الله عليه وسلم، والأفضل أن يفعل هذا تارة، وهذا تارة، ويضع يده اليسرى على فخذه اليسرى وركبته، ثم يقرأ التشهد في هذا الجلوس؛ وهو: (التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله) . . ثم يقول: (اللهم صل على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم، وآل إبراهيم، إنك حميد مجيد، وبارك على محمد، وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم، وآل إبراهيم، إنك حميد مجيد) ويستعيذ بالله من أربع فيقول: (اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال) ، ثم يدعو بما شاء من خيري الدنيا والآخرة، وإذا دعا لوالديه أو غيرهما من المسلمين فلا بأس، سواء كانت الصلاة فريضة، أو نافلة، لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن مسعود لمّا علّمه التشهد (. . “ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه فيدعو” وفي لفظ آخر (. . “ثم يتخير المسألة ما شاء” وهذا يعم جميع ما ينفع العبد في الدنيا والآخرة، ثم يسلم عن يمينه وشماله، قائلا: (السلام عليكم ورحمة الله. . السلام عليكم ورحمة الله).
14- إن كانت الصلاة ثلاثية كالمغرب، أو رباعية كالظهر والعصر والعشاء، فإنه يقرأ التشهد المذكور آنفا، مع الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم ينهض قائما معتمدا على ركبتيه، رافعا يديه إلى حذو منكبيه، قائلا: (الله أكبر) ، ويضعهما -أي يديه- على صدره، كما تقدم، ويقرأ الفاتحة فقط، وإن قرأ في الثالثة والرابعة من الظهر زيادة عن الفاتحة في بعض الأحيان فلا بأس؛ لثبوت ما يدل على ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أبي سعيد رضي الله عنه، ثم يتشهد بعد الثالثة من المغرب، وبعد الرابعة من الظهر والعصر والعشاء، ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ويتعوذ بالله من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، وفتنة المسيح الدجال، ويكثر من الدعاء، كما تقدم ذلك في الصلاة الثنائية، لكن يكون في هذا الجلوس متوركا، واضعا رجله اليسرى تحت رجله اليمنى، ومقعدته على الأرض، ناصبا رجله اليمنى؛ لحديث أبي حميد في ذلك، ثم يسلم عن يمينه وشماله، قائلا: (السلام عليكم ورحمة الله. . السلام عليكم ورحمة الله) ، ويستغفر الله ثلاثا، ويقول: (اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد، لا حول ولا قوة إلا بالله، لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه، له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله، مخلصين له الدين ولو كره الكافرون) ، ويسبح الله ثلاثا وثلاثين، ويحمده مثل ذلك، ويكبره مثل ذلك، ويقول تمام المائة: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير) ، ويقرأ (آية الكرسي) ، و (قل هو الله أحد) ، و (قل أعوذ برب الفلق) ، و (قل أعوذ برب الناس) ، بعد كل صلاة، ويستحب تكرار هذه السور الثلاث، ثلاث مرات بعد صلاة الفجر، وصلاة المغرب؛ لورود الحديث الصحيح بذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، كما يستحب أن يزيد بعد الذكر المتقدم بعد صلاة الفجر وصلاة المغرب قول: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير) عشر مرات؛ لثبوت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم. وإن كان إماما انصرف إلى الناس وقابلهم بوجهه بعد استغفاره ثلاثا، وبعد قوله: اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام، ثم يأتي بالأذكار المذكورة، كما دل على ذلك أحاديث كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، منها حديث عائشة رضي الله عنها في صحيح مسلم، وكل هذه الأذكار سنة وليست بفريضة.
ويستحب لكل مسلم ومسلمة، أن يحافظ على اثنتي عشرة ركعة في حال الحضر، وهي: أربع قبل الظهر، وثنتان بعده، وثنتان بعد صلاة المغرب، وثنتان بعد صلاة العشاء، وثنتان قبل صلاة الصبح؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحافظ عليها، وتسمى الرواتب. وقد ثبت في صحيح مسلم، عن أم حبيبة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “من صلى ثنتي عشرة ركعة في يومه وليلته تطوعا بني له بهن بيت في الجنة”.
وقد فسرها الإمام الترمذي في روايته لهذا الحديث بما ذكرنا. أما في السفر فكان النبي صلى الله عليه وسلم يترك سنة الظهر والمغرب والعشاء، ويحافظ على سنة الفجر والوتر، ولنا فيه أسوة حسنة؛ لقول الله سبحانه. {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} (الأحزاب: 21)وقوله عليه الصلاة والسلام: “صلوا كما رأيتموني أصلي”. (متفق عليه)
_____________________________
المصدر: كتاب رسالتان في الصلاة للشيخ عبدالعزيز بن باز.