في بداية الحديث عن الصلاة وأثرها على المسلم في حمايته من العزلة والاكتئاب والاضطرابات النفسية والعقلية التي ربما تودي به في النهاية إلى الانتحار وإزهاقه لروحه والعياذ بالله، لنعرف أهم أسباب الانتحار في وقتنا المعاصر.
1- الإكتئاب من أكثر أسباب الانتحار شيوعاً حيث تسيطر مشاعر الإكتاب على الشخص حتى تودي به إلى الإنتحار.
2- اليأس والإحباط التي يعاني منها الشخص قبل الانتحار.
يقول الدكتور سعد الدين العثماني الاختصاصي في الطب النفسي، “الأمراض النفسية تلعب دوراً كبيراً فى الإقدام على الانتحار، وفي مقدمتها مرض الاكتئاب، حيث أن حوالي 50% من إجمالي مرضى الاكتئاب في العالم يحاولون الانتحار، وينجح 15% منهم في ذلك. وأشار إلى أن عددا من المشاكل النفسية مثل الشعور باليأس والإحباط، وعدم القدرة على مواجهة الظروف القاسية أو الصعبة، والفشل في الحياة…، قد تكون وراء عدد من محاولات الانتحار، كما أن “البحث عن أفكار انتحارية لدى الشخص جزء من مهمة المعالج النفسي، وهي أفكار قد تكون صريحة، وقد تكون كامنة وتحتاج إلى بحث معمق، إلا أن حالات أخرى من الاكتئاب أو الفصام لا يتعرف عليها المحيطون بالشخص إلا بمناسبة محاولة انتحار”.
وعلى الرغم من حملات زيادة الوعي بقضايا الصحة العقلية وتعبئة الجهود لدعم الصحة العقلية. هناك إحصائية مرعبة للأمم المتحدة مفادها أن كل عام حوالي 800000 شخص يزهقون أرواحهم منتحرين وفي كل 40 ثانية هناك شخص ينتحر في مكان ما من هذا العالم! وأن الانتحار هو السبب الرئيسي الثاني للوفاة بين الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و 29 عامًا على مستوى العالم.
كيف عالج الإسلام ظاهرة الانتحار؟
لم يهمل القرآن الكريم هذه الظاهرة، فقد أعطى أهمية كبرى حول هذا الأمر وعلاجه فتحدث بكل بساطة ووضوح عن هذا الأمر. بل أمرنا أن نحافظ على أنفسنا ولا نقتلها فقال: “وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ”. (النساء: 29) فهذا أمر إلهي يجب أن تبعه ولا نخالفه.
ولكن هل يكفي هذا الأمر لعلاج هذه الظاهرة الخطيرة؟ لا، لأن الدراسات الحديثة تؤكد على ضرورة بث الأمل لدى أولئك اليائسين المقدمين على الانتحار، وضرورة معاملتهم معاملة رحيمة. ولذلك نرى مئات المواقع والمراكز قد خصصت لعلاج ومواساة من لديه ميل نحو الانتحار أو يحاول ذلك.
ولذلك فقد أتبع الله تعالى أمره هذا بخبر سار لكل مؤمن، يقول تعالى: “إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا”. (النساء: 29)، إنه نداء مفعم بالرحمة والتفاؤل والأمل. ولكن لماذا هذا النداء؟
إذا علمنا بأن معظم حالات الانتحار سببها فقدان الأمل من كل شيء عندها ندرك أهمية الحديث عن الرحمة في هذا الموضع بالذات.
وثبت في (الصحيحين) عن أبي هريرة رضي الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “من قتل نفسه بحديدة، فحديدته في يده، يتوجّأ بها في بطنه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً، ومن شرب سمّاً فقتل نفسه، فهو في يده يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً، ومن تردى من جبل فقتل نفسه فهو يتردى في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً”.
وفي حديث آخر يقول النبي (صلى الله عليه وسلم): “ومن قتل نفسه بشيء في الدنيا عُذّب به يوم القيامة”. (رواه البخاري)
وفي حديث آخر عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أنه قال: “كان فيمن كان قبلكم رجل به جرح، فجزع، فأخذ سكينا فحزّ بها يده، فما رقأ الدم حتى مات، قال الله تعالى: بادرني عبدي بنفسه؛ حرّمت عليه الجنة”. (رواه البخاري)
وقد عالج الإسلام الانتحار بوسائل شتى يطول شرحها في هذا المقال، لكن سنذكر جانباً منها وهو العلاج النفسي وسكينة القلب وعلى رأس الأمور الفعالة في هذا الجانب:
من خلال ملازمة ذكر الله تعالى، وقد قال تعالى: “الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ” (الرعد: 28) فبين أن الذكر سبب لاطمئنان القلوب وسكون النفس وتهدئة الروع، ومن مظاهر هذا الذكر التسبيح والحمد والتهليل وقراءة القرآن الذي قال فيه رب العالمين: “وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ”. (الإسراء: 82)
والصلاة وهي مدار الحديث هنا، تعتبر من أنجع الدواء في معالجة الأزمات النفسية والاضطرابات والاكتئاب وما يخالج النفس من هموم تكابد صاحبها ليل نهار، وكما نرى في عيادات الأطباء النفسيين أو صديق حميم تلجأ إليه ليسمع منك ما يعارضك أو تفضفض بما يعتريك من مشكلات فتشعر بارتياح نفسي وهدوء وسكينة، تخيل لو قمنا بهذا مع الله غز وجل ولله المثل الأعلى بأن تناجيه في صلاتك وتدعوه وتقف بين يديه تشكوا همومك وأحزانك. والله ستجد الراحة والسكينة والسلام الداخلي.
فالصلاة تمنح المؤمن طاقة روحية عجيبة تؤدي إلى اطمئنان القلب وزوال القلق وهدوء النفس وصفاء الذهن. هذه الطاقة تزداد مع الخشوع الذي يساعد على التأمل والتركيز والذي هو أهم طريقة لمعالجة التوتر العصبي. ولذلك أمرنا الله به أثناء الصلاة فقال: ” قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ. الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ”. (المؤمنون: 1 – 2)
الصلاة طمأنينة ووقاية وعلاج
يقول الطبيب توماس هايسلوب: “إن أهم مقومات النوم التي عرفتُها خلال سنين طويلةٍ قضيتها في الخبرة والتجارب هو: الصلاة. وبوصفي طبيبًا أقول: إنّ “الصلاة أهم أداة عُرفت حتى الآن لبثّ الطمأنينة في النفوس، وبثّ الهدوء في الأعصاب”. فالصلاة لا يتوقف فضلها على إزالة أو تخفيف المرض، بل يتعدّاه إلى منح الاطمئنان القلبي، والراحة النفسية”. قال الله تعالى: “ألا بذكر الله تطمئن القلوب”. (الرعد: 28)
ومما يجدر أن نلاحظه أنّ العلاج النفسيّ يتدخّل عادة لمساعدة المريض بعد حدوث المرض النفسي، غير أنّ الصلاة عامة، وصلاة الجمعة خاصة، إنّما تعمل على وقاية الفرد من الإصابة بالمرض النفسي. فتردّد الفرد على المسجد لصلاة الجماعة يتيح له فرصة التعرف على كثير من الأفراد مما يساعد على تفاعله مع الآخرين وتكوين علاقات اجتماعية سليمة. إنّ مثل هذه العلاقات يساعد على نمو شخصية الفرد، وعلى نُضجه الانفعالي، كما يُشبع حاجته إلى الانتماء والتقبل الاجتماعي، وبالتالي يؤدي إلى الوقاية من القلق الذي يعاني منه بعض الناس نتيجة شعورهم بالوحدة والعزلة. ولا شك أنّ الوقاية خير من العلاج، ولذلك كان فضل الصلاة من هذه الناحية عظيمًا.
الصلاة والاسترخاء
يقول الدكتور حسام الراوي: “وما أسلوب الاسترخاء الذي يصفه الأطباء اليوم علاجًا لحالات التوتر العصبي سوى نمط متواضع من أنماط الراحة عمومًا، ولن يحقق للإنسان ما يمكن أن تحققه الصلاة. وتعتبر مناجاة العبد لخالقه أرقى مراتب الاسترخاء، فإذا ما واظب المرء على استجماع فكره أثناء الصلاة واكتمل خشوعه يكون قد أطفأ شعلة التوتر والقلق المتأجّجة في كيانه”.
فإنّ حالة الهدوء والاسترخاء النفسي التي تُحدثها الصلاة تستمرّ عادة فترة ما بعد الانتهاء من الصلاة. وقد يستعيد الإنسان في ذهنه وهو في هذه الحالة من الاسترخاء والهدوء النفسي بعض الأمور أو المواقف المثيرة للقلق. وتكرار تعرّض الفرد لهذه الأمور أو المواقف المثيرة للقلق أو تَذكّره لها أثناء وجود هذه الحالة من الاسترخاء والهدوء النفسي عقب الصلوات إنّما يؤدّي إلى “الانطفاء” التدريجي لها، وإلى ارتباط هذه الأمور أو المواقف المثيرة للقلق بحالة الاسترخاء والهدوء النفسي، وبذلك يتخلّص الفرد من القلق الذي كانت تثيره هذه الأمور والمواقف.
أرحنا بها يا بلال
عن سالم بن أبي الجعد قال مسعر ـ أظنه رجل من خزاعة: “ليتني صليت فاسترحت، فكأنهم عابوا عليه ذلك، فقال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول:”يا بلال أقم الصلاة أرحنا بها”. (رواه أبو داود وصححه الألباني) أيالراحة بأدائها من شغل القلب بها، وقيل: كان اشتغال الرسول (صلى الله عليه وسلم) بالصلاة راحة له، فكان يعد غيرها من الأعمال الدنيوية تعبًا، فكان يستريح بالصلاة لما فيها من مناجاة الله تعالى ولهذا قال: “وجُعِلَت قُرّةُ عيني في الصلاة”.
فالمسلم يدخل في الصلاة فينسى هموم الدنيا، وينشغل عن متاعبها، إنه يفرغ قلبه لمناجاة ربه، فلا يبقى فيه مكان لهموم الدنيا ومشاغلها. إنه يجد فيها راحة لأن قلبه قد امتلأ محبة لله وتعظيماً وإجلالاً، لذا فإنه يحب مناجاته، ويجد فيها راحة للنفس، وقوة للقلب، وانشراحاً للصدر، وتفريجاً للهم، وكشفاً للغم. إن المصلي واقف بين يدي الله جلّ وعلا، مناج لربه عزّ وجلّ، فإذا فرَّغ قلبه لمناجاته، وأدى حق صلاته، وأكمل خشوعها، وقد امتلأ قلبه محبة لله وتعظيماً وإجلالاً. فإنه إذا انصرف من صلاته، وجد خفة من نفسه، وأحس بأثقال قد وضعت عنه، فوجد نشاطاً وراحة وروحاً، حتى يتمنى أنه لم يكن خرج منها، لأنها قرة عينه، ونعيم روحه، وجنة قلبه، ومستراحاً في الدنيا، فلا يزال كأنه في سجن ضيق حتى يدخل فيها، فيستريح بها، لا منها.
وإذا كانت الصلاة كذلك فهي من حصن للمسلم يجب عليه الالتجاء إليه لحماية نفسه والابتعاد بها عن دائرة الانتحار والعياذ بالله، ونسأل الله تعالى الهداية والرشاد.
________________________________
مصادر:
1- موقع الألوكة.
2- موقع طريق الإسلام.